والثاني : أنه حال، والعامل أحد المذكورين، أي : فرحوا مخالفين له ﷺ بالقعود، أو فرحوا بالقعود مخالفين له.
وقوله تعالى :﴿ وَكَرِهُوا ﴾ الخ أي : لما في قلوبهم من مرض النفاق.
قال أبو السعود : وإنما أوثر ما عليه النظم الكريم على أن يقال : وَكرهوا أن يخرجوا إلى الغزو، إيذاناً بأن الجهاد في سبيل الله، مع كونه من أجلّ الرغائب، وأشرف المطالب، التي يجب أن يتنافس بها المتنافسون، قد كرهوه، كما فرحوا بأقبح القبائح، الذي هو القعود خلاف رسول الله ﷺ.
قال الزمخشري : في قوله تعالى :﴿ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ﴾ تعريض بالمؤمنين، وبتحملهم المشاق العظام لوجه الله تعالى، وبما فعلوا من بذل أموالهم وأرواحهم في سبيل الله تعالى، وإيثارهم ذلك على الدعة والخفض ـ أي : الراحة والتنعم بالمآكل والمشارب ـ وكره ذلك المنافقون، وكيف لا يكرهونه ؟ وما فيهم ما في المؤمنين من باعث الإيمان، وداعي الإيقان.
قال الشهاب : ووجه التعريض ظاهر، لأن المراد كرهوه، لا كالمؤمنين الذين أحبوه.
وقوله تعالى :﴿ وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ ﴾ أي : قالوا لإخوانهم لا تنفروا إلى الجهاد في الحر، فإنه لا يستطاع شدته.
وذلك أن الخروج في غزوة تبوك كان في شدة الحر، عند طيب الظلال والثمار، وذلك تثبيتاً لهم على التخلف، وتواصياً فيما بينهم بالشر والفساد، أو قالوا للمؤمنين تثبيطاً لهم عن الجهاد، ونهياً عن المعروف، وإظهاراً لبعض العلل الداعية لهم إلى ما فرحوا به من القعود وكراهية الجهاد، ونهي الغير عن ذلك - أفاده أبو السعود -.


الصفحة التالية
Icon