فإذا ضحكت من مطلوبات الإيمان فلابد أن تبكي في الآخرة. فإن فرحت - مثلاً - بترك الصلاة أو الزكاة، واعتقدت أنك قد غنمت في الدنيا، فلا بد أن تندم ويصيبك الغمُّ في الآخرة. وإذا تنعمت بمال حرام فلا بد أن تُعذب به في الآخرة. والحق سبحانه يقول :﴿ إِنَّ الذين أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ الذين آمَنُواْ يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقلبوا إلى أَهْلِهِمُ انقلبوا فَكِهِينَ ﴾
[ المطففين : ٢٩-٣١ ]
هكذا يعطينا الله عدة صور من السخرية التي يتعرض لها المؤمنون في الدنيا، وأولى هذه الصور هي ضحك المنافقين والكفار من المؤمنين، كأن يقول أحدهم لإنسان مؤمن يقوم إلى الصلاة : خذنا على جناحك في الآخرة. ثم بعد ذلك يأتي الغمز واللمز، ثم إذا ذهب المنافق إلى أهله أخذ يسخر من الطائعين ويقول : لقد فعلت كذا وكذا لإنسان متدين. وسخرت منه ولمن لم يستطع أن يرد. ويشعر بالسرور وهو يحكي القصة فرحاً بما عمل. وينسى أنه قد ارتكب ثلاثة جرائم : جريمة العمل، وجريمة الفرح بالعمل، وجريمة الإخبار بالعمل. فلو أنه سخر من المؤمن، ثم ندم بعد ذلك، ربما كانت عقوبته هيِّنة. ولكن ما دام قد فرح بذلك تكون له عقوبة أكبر، فإذا انقلب إلى أهله يروي لهم ما حدث، وهو فخور مسرور تكون له عقوبة ثالثة.
وليتهم توقفوا عند ذلك بل اتهموا المؤمنين بالضلال ؛ مصداقاً لقوله تعالى :﴿ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قالوا إِنَّ هؤلاء لَضَالُّونَ * وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ ﴾ [ المطففين : ٣٢-٣٣ ]
أي : أنهم زادوا على كل هذا باتهام المؤمنين بالضلال. هذا ما صنعوه في الدنيا. وهي فانية وعمرها قليل. ثم يأتي سبحانه وتعالى بالمقابل في الآخرة ؛ فيقول :﴿ فاليوم الذين آمَنُواْ مِنَ الكفار يَضْحَكُونَ * عَلَى الأرآئك يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الكفار مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ﴾ [ المطففين : ٣٤-٣٦ ]


الصفحة التالية
Icon