فكما ضحك الكفار من المؤمنين في الدنيا ؛ سيضحك المؤمنون من الكفار في الآخرة، وسيجلس المؤمنون على الأرائك في الجنة وهم ينظرون إلى الكفار وهو يُعذَّبون في النار، أي : أن الله جزاهم بمثل عملهم مع الفارق بين قدراتهم المحدودة وقدراته - سبحانه - التي لا حدود لها.
ولم يقل الحق سبحانه وتعالى :" سيضحكون " ككلام خبري، يجوز أن يحدث أو لا يحدث، بل جاء به مُؤكداً. وقوله هنا في المنافقين ﴿ فَلْيَضْحَكُواْ ﴾. يعني : أن الضحك لابد أن يحدث ؛ لأن هذا كلام من الله سبحانه وتعالى.
فقول الحق سبحانه وتعالى :﴿ فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾ يعطينا العلة أو السبب في أن ضحكهم سيكون قليلاً، وبكاءهم سيكون كثيراً ؛ لأن هذا جزاء ما فعلوه في الدنيا. لقد فرحوا بالفرار من الجهاد. وسُرّوت بالراحة في المدينة، فلابد أن يُلاَقوا في الآخرة جزاءهم عن هذا العمل، كما سَيُثاب المؤمنون على ذهابهم للجهاد في الحرِّ.
إذن : فالحق سبحانه لم يظلمهم، بل أعطاهم جزاء ما عملوه. كما قال :﴿ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾ وكلمة ﴿ يَكْسِبُونَ ﴾ هنا لها ملحظ لا بد أن نُبيِّنه، فقد كان من الممكن أن يُقال " جزاء ما كانوا يعملون " أو " جزاء ما كانوا يفعلون "، فلماذا جاء الحق ب ﴿ يَكْسِبُونَ ﴾، وما الفرق بينها وبين " ما يفعلون " و " ما يعملون "؟
نعلم أن لكل جارحة من جوارح الإنسان مجالَ عمل ؛ فالأذن تسمع، والعين ترى، واليد تمسك، والقدم تمشي، والأنف يشُمُّ، والأنامل تملس.
إذن : فكل عضو له مهمة. فإن كانت المهمة هي النطق باللسان نسميها القول. وإن كانت مهمة من مهام باقي الجوارح عدد اللسان نسميها الفعل. فاللسان وحده أخذ القول، وكل الجوارح أخذت الفعل. والقول والفعل معاً نسميهما عملاً.


الصفحة التالية
Icon