وقوله :﴿فاستأذنوك لِلْخُرُوجِ﴾ أي للغزو معك ﴿فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِىَ أَبَدًا﴾ إلى غزوة، وهذا يجري مجرى الذم واللعن لهم، ومجري إظهار نفاقهم وفضائحهم، وذلك لأن ترغيب المسلمين في الجهاد أمر معلوم بالضرورة من دين محمد عليه السلام، ثم إن هؤلاء إذا منعوا من الخروج إلى الغزو بعد إقدامهم على الاستئذان، كان ذلك تصريحاً بكونهم خارجين عن الإسلام موصوفين بالمكر والخداع، لأنه عليه السلام إنما منعهم من الخروج حذراً من مكرهم وكيدهم وخداعهم، فصار هذا المعنى من هذا الوجه جارياً مجرى اللعن والطرد، ونظيره قوله تعالى :﴿سَيَقُولُ المخلفون إِذَا انطلقتم إلى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا﴾ [ الفتح : ١٥ ] إلى قوله :﴿قُل لَّن تَتَّبِعُونَا﴾ [ الفتح : ١٥ ] ثم إنه تعالى علل ذلك المنع بقوله :﴿إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بالقعود أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ والمراد منه القعود عن غزوة تبوك، يعني أن الحاجة في المرة الأولى إلى موافقتكم كانت أشد، وبعد ذلك زالت تلك الحاجة، فلما تخلفتم عند مسيس الحاجة إلى حضوركم، فعند ذلك لا نقبلكم، ولا نلتفت إليكم، وفي اللفظ بحث ذكره صاحب "الكشاف"، وهو أن قوله :﴿مَرَّةٍ﴾ في ﴿أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ وضعت موضع المرات، ثم أضيف لفظ الأول إليها، وهو دال على واحدة من المرات، فكان الأولى أن يقال أولى مرة.
وأجاب : عنه بأن أكثر اللغتين أن يقال : هند أكبر النساء، ولا يقال هند كبرى النساء.
ثم قال تعالى :﴿فاقعدوا مَعَ الخالفين﴾ ذكروا في تفسير الخالف أقوالاً : الأول : قال الأخفش وأبو عبيدة : الخالفون جمع.
واحدهم خالف، وهو من يخلف الرجل في قومه، ومعناه مع الخالفين من الرجال الذين يخلفون في البيت، فلا يبرحون، والثاني : أن الخالفين مفسر بالمخالفين.
قال الفراء يقال عبد خالف وصاحب خالف إذا كان مخالفاً.
وقال الأخفش : فلان خالفة أهل بيته إذا كان مخالفاً لهم.


الصفحة التالية
Icon