وقال أبو السعود :
﴿ الذين يَلْمِزُونَ ﴾
نصبٌ أو رفع على الذم، ويجوز جرُّه على البدلية من الضمير في سرَّهم ونجواهم وقرىء بضم الميم وهي لغة أي يعيبون ﴿ المطوعين ﴾ أي المتطوعين المتبرِّعين ﴿ مِنَ المؤمنين ﴾ حالٌ من المطّوعين وقوله تعالى :﴿ فِي الصدقات ﴾ متعلق بيلمزون. ( روي أن رسولَ الله ﷺ حث الناسَ على الصدقة فأتى عبدُ الرحمن بنُ عوف بأربعين أوقيةً من ذهب وقيل : بأربعةِ آلافِ درهم وقال : لي ثمانيةُ آلافٍ فأقرضتُ ربي أربعة وأمسكتُ لعيالي أربعة، فقال رسول الله ﷺ :"بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت" فبارك له حتى صولحت تُماضِرُ رابعةُ نسائِه عن ربع الثمن على ثمانين ألفاً، وتصدق عاصمُ بنُ عدي بمائة وَسْقٍ من تمر وجاء أبو عقيل الأنصاري بصاع من تمر، فقال : بتُّ ليلتي أجرُّ بالجرير على صاعين فتركت صاعاً لعيالي وجئت بصاع فأمره رسول الله ﷺ أن ينثُره على الصدقات فلمَزَهم المنافقون وقالوا : ما أعطى عبدُ الرحمن وعاصمٌ إلا رياءً وإنْ كان الله ورسولُه لغنيَّيْن عن صاع أبي عقيل ولكنه أحب أن يذكِّر بنفسه ليعطى من الصدقات فنزلت ).
﴿ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ ﴾ عطف على المطوعين أي ويلمزون الذين لا يجدون إلا طاقاتِهم وقرىء بفتح الجيم وهو مصدر جهد في الأمر إذا بالغ فيه وقيل : هو بالضم الطاقةُ وبالفتح المشقة ﴿ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ﴾ عطف على يلمِزون أي يهزءون بهم والمرادُ بهم الفريقُ الأخير ﴿ سَخِرَ الله مِنْهُمْ ﴾ إخبارٌ بمجازاته تعالى إياهم على ما فعلوا من السخرية والتعبيرُ عنها بذلك للمشاكلة ﴿ وَلَهُمْ ﴾ أي ثابت لهم ﴿ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ التنوينُ للتهويل والتفخيم، وإيرادُ الجملةِ اسميةً للدلالة على الاستمرار. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٤ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon