وقال ابن عاشور :
﴿ فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ ﴾
الفاء للتفريع على ما آذن به قوله :﴿ قل نار جهنم أشد حراً ﴾ [ التوبة : ٨١ ] إذ فرّع على الغضب عليهم وتهديدهم عقاب آخر لهم، بإبعادهم عن مشاركة المسلمين في غزواتهم.
وفعل رجع يكون قاصراً ومتعدّياً مرادفاً لأرجع.
وهو هنا متعدّ، أي أرجعك الله.
وجعل الإرجاع إلى طائفة من المنافقين المخلّفين على وجه الإيجاز لأنّ المقصود الإرجاع إلى الحديث معهم في مثل القصة المتحدّث عنها بقرينة قوله :﴿ فاستئذنوك للخروج ﴾ ولمّا كان المقصود بيان معاملته مع طائفة، اختُصر الكلام، فقيل :﴿ فإن رجعك الله إلى طائفة منهم ﴾، وليس المراد الإرجاع الحقيقي كما جرت عليه عبارات أكثر المفسّرين وجعلوه الإرجاع من سفَر تبوك مع أنّ السورة كلّها نزلت بعد غزوة تبوك بل المراد المجازي، أي تكرّر الخوض معهم مرّة أخرى.
والطائفة : الجماعة وتقدّمت في قوله تعالى :﴿ يغشى طائفة منكم ﴾ في سورة آل عمران ( ١٥٤ ).
أو قوله :﴿ فلتقم طائفة منهم معك ﴾ في سورة النساء ( ١٠٢ ).
والمراد بالطّائفة هنا جماعة من المخلّفين دل عليها قوله : فاستئذنوك للخروج } أي إلى طائفة منهم يبتغون الخروج للغزو، فيجوز أن تكون هذه الطائفة من المنافقين أرادوا الخروج للغزو طمعاً في الغنيمة أو نحو ذلك.
ويجوز أن يكون طائفة من المخلّفين تابوا وأسلموا فاستأذنوا للخروج للغزو.
وعلى الوجهين يحتملُ أنّ منعهم من الخروج للخوف من غدرهم إن كانوا منافقين أو لمجرّد التأديب لهم إن كانوا قد تابوا وآمنوا.
وما أمر النبي ﷺ بأن يقوله لهم صالح للوجهين.
والجمع بين النفي بـ ﴿ لن ﴾ وبين كلمة ﴿ أبداً ﴾ تأكيد لمعنى لن لانتفاء خروجهم في المستقبل إلى الغزو مع المسلمين.
وجملة :﴿ إنكم رضيتم بالقعود أول مرة ﴾ مستأنفة للتعداد عليهم والتوبيخ، أي إنّكم تحبّون القعود وترضون به فقد زدتُكم منه.