وكأنه سبحانه وتعالى يوضح : إياكم أن تنسبوا الأحداث إلى بشرية محمد ﷺ، فإن محمداً إذا ذهب إلى مكان فالله هو الذي أذهب إليه. وإن عاد من مكان فهو لا يعود إلا إذا أرجعه الله منه. كما كانت هجرة رسول الله ﷺ إلى المدينة بإذن من الله، فقبل أن يأذن الله له بالهجرة، لم يكن رسول الله ﷺ ببشريته يستطيع أن يهاجر. إذن : فالحق سبحانه وتعالى يريد أن يعرف دائماً : أن ذهاب محمد ﷺ ورجوعه من أي مكان، ليس ببشرية رسول الله ﷺ، بل بإرادة الحق سبحانه.
ولكن لماذا قال الحق سبحانه وتعالى :﴿ فَإِن رَّجَعَكَ الله إلى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ ﴾ وكان من الممكن أن يقول " فإن رجعك الله إليهم " أة :" فإن رجعك الله إلى المدينة "؟ نقول : إن الحق سبحانه وتعالى يريد الحديث هنا عن الطائفة التي حدثت منها المخالفة، فهناك من بقوا في المدينة رغماً عنهم ولم يكن لديهم ما ينفقونه أو لم يكن لدى رسول الله ﷺ ما يحملهم عليه. كذلك المرضى وكبار السن الذين لا يستطيعون قتالاً. وهؤلاء حَسُنَ إسلامهم وقَبِل الله ورسوله أعذارهم.
ولكن الحق سبحانه يتحدث هنا عن الطائفة التي تخلفت عن الجهاد وهي قادرة، والتي امتنعت عن الخروج، وهي تملك المال والسلاح وكل مقومات الجهاد، هذه الطائفة هي التي فرحت بالتخلف عن القتال. أما الطوائف الأخرى ؛ فكانت عيونها تفيض بالدمع من الحزن على عدم اشتراكهم في الجهاد.
إذن : فالحق يقصد هنا طائفة المنافقين الذين استمروا على نفاقهم، فمن تاب منهم قبل نزول هذه الآية قبلت توبته، ومن مات منهم قبل نزول هذه الآية فإنما حسابه على الله. وبقيت طائفة المنافقين الذي فرحوا وضحكوا عندما بقوا في المدينة، وكان عقاب الله لهم بأن مسح أسماءهم من ديوان المجاهدين في سبيل الله، ومنعهم الثواب الكبير للجهاد.