قوله :﴿ فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا ﴾ هذان الأمران معناهما الخبر، والمعنى : فسيضحكون قليلاً، ويبكون كثيراً، وإنما جيء بهما على لفظ الأمر، للدلالة على أن ذلك أمر محتوم لا يكون غيره، وقليلاً كثيراً منصوبان على المصدرية أو الظرفية : أي ضحكاً قليلاً، وبكاءً كثيراً، أو زماناً قليلاً، وزماناً كثيراً ﴿ وَجَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾ أي : جزاء بسبب ما كانوا يكسبونه من المعاصي، وانتصاب ﴿ جزاء ﴾ على المصدرية : أي يجزون جزاء ﴿ فَإِن رَّجَعَكَ الله إلى طَائِفَةٍ مّنْهُمْ ﴾ الرجع متعدّ كالردّ، والرجوع : لازم، والفاء لتفريع ما بعدها على ما قبلها، وإنما قال ﴿ إلى طَائِفَةٍ ﴾ لأن جميع من أقام بالمدينة لم يكونوا منافقين بل كان فيهم غيرهم من المؤمنين لهم أعذار صحيحة، وفيهم من المؤمنين من لا عذر له، ثم عفا عنهم رسول الله ﷺ، وتاب الله عليهم كالثلاثة الذين خلفوا، وسيأتي بيان ذلك، وقيل : إنما قال :﴿ إلى طائفة ﴾، لأن منهم من تاب عن النفاق، وندم على التخلف ﴿ فاستأذنوك لِلْخُرُوجِ ﴾ معك في غزوة أخرى بعد غزوتك هذه ﴿ فَقُلْ ﴾ لهم :﴿ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِىَ أَبَدًا وَلَن تقاتلوا مَعِىَ عَدُوّا ﴾ أي : قل لهم ذلك عقوبة لهم، ولما في استصحابهم من المفاسد، كما تقدم في قوله :﴿ لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ﴾ [ التوبة : ٤٧ ]، وقرىء بفتح الياء من معي في الموضعين، وقرىء بسكونها فيهما، وجملة :﴿ إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بالقعود أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ للتعليل، أي لن تخرجوا معي، ولن تقاتلوا، لأنكم رضيتم بالقعود والتخلف أوّل مرّة، وهي غزوة تبوك، والفاء في ﴿ فاقعدوا مَعَ الخالفين ﴾ لتفريع ما بعدها على ما قبلها، والخالفين جمع خالف، كأنهم خلفوا الخارجين، والمراد بهم : من تخلف عن الخروج، وقيل : المعنى : فاقعدوا مع الفاسدين.


الصفحة التالية
Icon