فإذا قال قائلهم : لا أكلمه سبعين سنة صار عندهم بمنزلة قوله : لا أكلمه أبداً.
ومثله في الإغياء قوله تعالى :﴿ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً ﴾ [ الحاقة : ٣٢ ]، وقوله عليه السلام :" من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خرِيفاً " وقالت طائفة : هو تخيير منهم الحسن وقتادة وعُروة إن شئت استغفر لهم وإن شئت لا تستغفر.
ولهذا لما أراد أن يصّلي على ابن أبيّ قال عمر : أتصلّي على عدوّ الله، القائل يوم كذا كذا وكذا؟ فقال :" إني خُيِّرت فاخترت " قالوا : ثم نسخ هذا لما نزل ﴿ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ﴾ [ المنافقون : ٦ ].
﴿ ذلك بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ ﴾ أي لا يغفر الله لهم لكفرهم.
الخامسة قوله تعالى :﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ والذين آمنوا أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ ﴾ الآية.
وهذه الآية نزلت بمكة عند موت أبي طالب، على ما يأتي بيانه.
وهذا يفهم منه النهي عن الاستغفار لمن مات كافراً.
وهو متقدّم على هذه الآية التي فهم منها التخيير بقوله :" إنما خيّرني الله " وهذا مشكل.
فقيل : إن استغفاره لعمه إنما كان مقصوده استغفاراً مرجوّ الإجابة حتى تحصل له المغفرة.
وفي هذا الاستغفار استأذن عليه السلام ربّه في أن يأذن له فيه لأمّه فلم يأذن له فيه.
وأما الاستغفار للمنافقين الذي خُير فيه فهو استغفار لسانِيّ لا ينفع، وغايته تطييب قلوب بعض الأحياء من قرابات المستغفر له.
والله أعلم.
السادسة واختلف في إعطاء النبيّ ﷺ قميصه لعبد الله ؛ فقيل : إنما أعطاه لأن عبد لله كان قد أعطى العباس عمّ النبيّ ﷺ قميصه يوم بدر.