وذلك أن العباس لما أسِر يوم بدر على ما تقدّم وسُلب ثوبه رآه النبي ﷺ كذلك فأشفق عليه، فطلب له قميصاً فما وُجد له قميص يقادره إلا قميص عبد الله، لتقاربهما في طول القامة ؛ فأراد النبي ﷺ بإعطاء القميص أن يرفع اليد عنه في الدنيا، حتى لا يلقاه في الآخرة وله عليه يد يكافئه بها، وقيل : إنما أعطاه القميص إكراماً لابنه وإسعافاً له في طِلبته وتطييباً لقلبه.
والأوّل أصح ؛ خرّجه البخاريّ عن جابر بن عبد الله قال : لما كان يوم بدر أُتي بأسارى وأُتُي بالعباس ولم يكن عليه ثوب ؛ فطلب النبيّ ﷺ له قميصاً فوجدوا قميص عبد الله بن أبَيّ يَقِدر عليه، فكساه النبيّ ﷺ إياه ؛ فلذلك نزع النبيّ ﷺ قميصه الذي ألبسه.
وفي الحديث أن النبي ﷺ قال :
" إن قميصي لا يغني عنه من الله شيئاً وإني لأرجو أن يسلم بفعلي هذا ألف رجل من قومي " كذا في بعض الروايات " من قومي " يريد من منافقي العرب.
والصحيح أنه قال :" رجال من قومه " ووقع في مغازي ابن إسحاق وفي بعض كتب التفسير : فأسلم وتاب لهذه الفعلة من رسول الله ﷺ ألف رجل من الخزرج.
السابعة لما قال تعالى :﴿ وَلاَ تُصَلِّ على أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً ﴾ قال علماؤنا : هذا نص في الامتناع من الصَّلاة على الكفار، وليس فيه دليل على الصَّلاة على المؤمنين.
واختلف هل يؤخذ من مفهومه وجوب الصَّلاة على المؤمنين على قولين.
يؤخذ لأنه علّل المنع من الصَّلاة على الكفار لكفرهم لقوله تعالى :﴿ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بالله وَرَسُولِهِ ﴾ ؛ فإذا زال الكفر وجبت الصَّلاة.
ويكون هذا نحو قوله تعالى :﴿ كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ﴾ [ المطففين : ١٥ ] يعني الكفار ؛ فدلّ على أن غير الكفار يرونه وهم المؤمنون ؛ فذلك مثله.
والله أعلم.