وقال ابن عاشور :
﴿ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (٨٤) ﴾
لمّا انقضى الكلام على الاستغفار للمنافقين الناشىء، عن الاعتذار والحلف الكاذبيْن وكان الإعلام بأن الله لا يغفر لهم مشوباً بصورة التخيير في الاستغفار لهم، وكان ذلك يبقي شيئاً من طمعهم في الانتفاع بالاستغفار لأنهم يحسبون المعاملة الربانية تجري على ظواهر الأعمال والألفاظِ كما قدمناه في قوله :﴿ فرح المخلفون ﴾ [ التوبة : ٨١ ]، تهيَّأ الحال للتصريح بالنهي عن الاستغفار لهم والصلاةِ على موتاهم، فإنّ الصلاة على الميت استغفار.
فجملة ﴿ ولا تصل ﴾ عطف على جملة ﴿ استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ﴾ [ التوبة : ٨٠ ] عطفَ كلام مراد إلحاقه بكلام آخر لأنّ القرآن ينزل مراعىً فيه مواقع وضع الآي.
وضمير ﴿ منهم ﴾ عائد إلى المنافقين الذين عُرفوا بسيماهم وأعمالهم الماضية الذكر.
وسبب نزول هذه الآية ما رواه البخاري والترمذي من حديث عبد الله بن عباس عن عمر بن الخطاب قال :"لما مات عبد الله بنُ أبَيّ بن سَلُول دُعِي له رسول الله ليصلي عليه، فلمّا قام رسول الله وثَبْتُ إليه فقلت : يا رسول الله أتصلّي على ابن أُبيّ وقد قال يومَ كذَا وكذا، كذا وكذا أعَدّدُ عليه قولَه، فتبسّم رسول الله وقال :" أخِّرْ عنّي يا عمرُ " فلمّا أكثرت عليه قال :" إنّي خُيِّرتُ فاخترتُ، لو أعلم أنّي لو زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها " قال : فصلى عليه رسول الله ثم انصرف فلم يمكث إلاّ يسيراً حتّى نزلتْ الآيتان من براءة ﴿ ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ﴾ إلى قوله :﴿ وهم فاسقون ﴾ قال : فعجبت بعدُ من جُرْأتِي على رسول الله واللَّهُ ورسوله أعلم اه".