فصل
قال الفخر :
﴿ وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (٨٥) ﴾
اعلم أن هذه الآية قد سبق ذكرها بعينها في هذه السورة وذكرت ههنا، وقد حصل التفاوت بينهما في ألفاظ : فأولها : في الآية المتقدمة قال :﴿فَلاَ تُعْجِبْكَ﴾ بالفاء.
وههنا قال :﴿وَلاَ تُعْجِبْكَ﴾ بالواو وثانيها : أنه قال هناك ﴿أموالهم وَلاَ أولادهم﴾ وههنا كلمة ﴿لا﴾ محذوفة.
وثالثها : أنه قال هناك ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُعَذّبَهُمْ﴾ وههنا حذف اللام وأبدلها بكلمة ﴿أن﴾ ورابعها : أنه قال هناك ﴿في الحياة﴾ وههنا حذف لفظ الحياة وقال :﴿فِى الدنيا﴾ فقد حصل التفاوت بين هاتين الآيتين من هذه الوجوه الأربعة، فوجب علينا أن نذكر فوائد هذه الوجوه الأربعة في التفاوت، ثم نذكر فائدة هذا التكرير.
أما المقام الأول : فنقول :
أما النوع الأول : من التفاوت وهو أنه تعالى ذكر قوله :﴿فَلاَ تُعْجِبْكَ﴾ بالفاء في الآية الأولى وبالواو في الآية الثانية، فالسبب أن في الآية الأولى إنما ذكر هذه الآية بعد قوله :﴿وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كارهون﴾ وصفهم بكونهم كارهين للإنفاق، وإنما كرهوا ذلك الإنفاق لكونهم معجبين بكثرة تلك الأموال.
فلهذا المعنى نهاه الله عن ذلك الإعجاب بفاء التعقيب، فقال :﴿فَلاَ تُعْجِبْكَ أموالهم وَلاَ أولادهم﴾ وأما ههنا فلا تعلق لهذا الكلام بما قبله فجاء بحرف الواو.
وأما النوع الثاني : وهوأنه تعالى قال في الآية الأولى :﴿فَلاَ تُعْجِبْكَ أموالهم وَلاَ أولادهم﴾ فالسبب فيه أن مثل هذا الترتيب يبتدأ بالأدون ثم يترقى إلى الأشرف، فيقال لا يعجبني أمر الأمير ولا أمر الوزير، وهذا يدل على أنه كان إعجاب أولئك الأقوام بأولادهم فوق إعجابهم بأموالهم، وفي هذه الآية يدل على عدم التفاوت بين الأمرين عندهم.