ولهذا السبب أمر الله رسوله بالاقتداء بإبراهيم عليه السلام إلا في قوله لأبيه ﴿لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ﴾ [ الممتحنة : ٤ ] وإذا كان هذا مشهوراً في الشرع فكيف يجوز الإقدام عليه ؟ الثاني : أن استغفار الغير للغير لا ينفعه إذا كان ذلك الغير مصراً على القبح والمعصية.
الثالث : أن إقدامه على الاستغفار للمنافقين يجري مجرى إغرائهم بالإقدام على الذنب.
الرابع : أنه تعالى إذا كان لا يجيبه إليه بقي دعاء الرسول عليه السلام مردوداً عند الله، وذلك يوجب نقصان منصبه.
الخامس : أن هذا الدعاء لو كان مقبولاً من الرسول لكان قليله مثل كثيره في حصول الإجابة.
فثبت أن المقصود من هذا الكلام أن القوم لما طلبوا منه أن يستغفر لهم منعه الله منه، وليس المقصود من ذكر هذا العدد تحديد المنع، بل هو كما يقول القائل لمن سأله الحاجة : لو سألتني سبعين مرة لم أقضها لك، ولا يريد بذلك أنه إذا زاد قضاها فكذا ههنا، والذي يؤكد ذلك قوله تعالى في الآية :﴿ذلك بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بالله﴾ فبين أن العلة التي لأجلها لا ينفعهم استغفار الرسول وإن بلغ سبعين مرة، كفرهم وفسقهم، وهذا المعنى قائم في الزيادة على السبعين، فصار هذا التعليل شاهداً بأن المراد إزالة الطمع في أن ينفعهم استغفار الرسول عليه السلام مع إصرارهم على الكفر، ويؤكده أيضاً قوله تعالى :﴿والله لاَ يَهْدِى القوم الفاسقين﴾ والمعنى أن فسقهم مانع من الهداية.
فثبت أن الحق ما ذكرناه.
المسألة الخامسة :
قال المتأخرون من أهل التفسير، السبعون عند العرب غاية مستقصاة لأنه عبارة عن جمع السبعة عشر مرات، والسبعة عدد شريف لأن عدد السموات والأرض والبحار والأقاليم والنجوم والأعضاء، هو هذا العدد.


الصفحة التالية
Icon