ثم عاد الله سبحانه إلى توبيخ المنافقين، فقال :﴿ وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ ﴾ أي : من القرآن، ويجوز أن يراد بعض السورة، وأن يراد تمامها ؛ وقيل : هي هذه السورة : أي سورة براءة، و "أن" في ﴿ أَنْ آمِنُواْ بالله ﴾ مفسرة لما في الإنزال من معنى القول، أو مصدرية حذف منها الجارّ : أي : بأن آمنوا، وإنما قدّم الأمر بالإيمان، لأن الاشتغال بالجهاد لا يفيد إلا بعد الإيمان :﴿ استأذنك أُوْلُواْ الطول مِنْهُمْ ﴾ أي : ذوو الفضل والسعة، من طال عليه طولاً، كذا قال ابن عباس والحسن، وقال الأصمّ : الرؤساء والكبراء المنظور إليهم، وخصهم بالذكر لأن الذم لهم ألزم، إذ لا عذر لهم في القعود ﴿ وَقَالُواْ ذَرْنَا ﴾ أي اتركنا ﴿ نَكُنْ مَّعَ القاعدين ﴾ أي : المتخلفين عن الغزو من المعذورين، كالضعفاء والزمنى، والخوالف : النساء اللاتي يخلفن الرجال في القعود في البيوت.
جمع خالفة، وجوّز بعضهم أن يكون جمع خالف، وهو من لا خير فيه :﴿ وَطُبِعَ على قُلُوبِهِمْ ﴾ هو كقوله :﴿ خَتَمَ الله على قُلُوبِهِمْ ﴾ [ البقرة : ٧ ] وقد مرّ تفسيره ﴿ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ ﴾ شيئاً مما فيه نفعهم وضرهم، بل هم كالأنعام.
وقد أخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما، عن ابن عمر قال : لما توفي عبد الله بن أبيّ ابن سلول، أتى ابنه عبد الله رسول الله ﷺ، فسأله أن يعطيه قميصه ليكفنه فيه فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه، فقام رسول الله ﷺ، فقام عمر فأخذ ثوبه فقال : يا رسول الله، أتصلي عليه، وقد نهاك الله أن تصلي على المنافقين؟ فقال :" إن ربي خيرني وقال :﴿ استغفر لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ ﴾ وسأزيد على السبعين " فقال : إنه منافق، فصلى عليه، فأنزل الله :﴿ وَلاَ تُصَلّ على أَحَدٍ مّنْهُم مَّاتَ أَبَداً ﴾ الآية، فترك الصلاة عليهم.