وَالْمُخَلَّفُونَ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ خَلَّفَ فُلَانًا وَرَاءَهُ (بِالتَّشْدِيدِ) إِذَا تَرَكَهُ خَلْفَهُ وَالْمَعْنَى : فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ - أَيِّ الَّذِينَ تَرَكَهُمُ الرَّسُولُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَ خُرُوجِهِ إِلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ، بِقُعُودِهِمْ فِي بُيُوتِهِمْ مُخَالِفِينَ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَهُ. وَهَذَا الْمَعْنَى أَصَحُّ هُنَا، وَإِنَّمَا فَرِحُوا ; لِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِمَا فِي الْخُرُوجِ مَعَهُ مِنَ الْأَجْرِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَا تُذْكَرُ بِجَانِبِهِ رَاحَةُ الْقُعُودِ فِي الْبُيُوتِ شَيْئًا وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ أَيْ : قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ فِي النِّفَاقِ لَا تَنْفِرُوا مَعَهُ فِي الْحَرِّ، نَهْيًا لَهُمْ عَنِ الْمَعْرُوفِ، وَإِغْرَاءً بِالثَّبَاتِ عَلَى الْمُنْكَرِ. وَهُوَ عَدَمُ النَّفْرِ، أَوْ قَالُوهُ تَثْبِيتًا لَهُمْ فِيهِ، وَتَثْبِيطًا لِلْمُؤْمِنِينَ عَنْهُ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا أَيْ : قُلْ أَيُّهَا الرَّسُولُ تَفْنِيدًا لِقَوْلِهِمْ وَتَسْفِيهًا لِحُلُومِهِمْ : نَارُ جَهَنَّمَ الَّتِي أَعَدَّهَا اللهُ تَعَالَى لِمَنْ عَصَاهُ وَعَصَى رَسُولَهُ أَشَدُّ حَرًّا مِنْ تِلْكَ الْأَيَّامِ فِي أَوَائِلِ فَصْلِ الْخَرِيفِ، فَهُوَ لَا يَلْبَثُ أَنْ يَخِفَّ وَيَزُولَ، عَلَى كَوْنِهِ مِمَّا تَحْتَمِلُهُ الْجُسُومُ، وَأَمَّا نَارُ جَهَنَّمَ فَحَرُّهَا عَلَى شِدَّتِهِ دَائِمٌ، فَهُوَ يَلْفَحُ وُجُوهَهُمْ، وَيُنْضِجُ جُلُودَهُمْ، وَيَنْزِعُ شَوَاهُمْ، وَفِي هَذَا أَكْبَرُ عِبْرَةٍ لِمَنْ يَتْرُكُونَ الْجِهَادَ وَغَيْرَهُ مِنَ الْوَاجِبَاتِ إِيثَارًا لِلرَّاحَةِ وَالنَّعِيمِ، وَمَا يَفْعَلُهُ فِي حَالِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِمْ إِلَّا الْمُنَافِقُونَ. ثُمَّ


الصفحة التالية
Icon