قَالَ : لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ أَيْ : لَوْ كَانُوا يَعْقِلُونَ ذَلِكَ وَيَعْتَبِرُونَ بِهِ لَمَا خَالَفُوا وَقَعَدُوا، وَلَمَا فَرِحُوا بِقُعُودِهِمْ إِذْ أَجْرَمُوا فَقَعَدُوا، بَلْ لَحَزِنُوا وَاكْتَأَبُوا، وَبَكَوْا وَانْتَحَبُوا، كَمَا فَعَلَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ أَرَادُوا الْخُرُوجَ وَالنَّفَقَةَ فَعَجَزُوا، وَسَيَأْتِي بَيَانُ حَالِهِمْ قَرِيبًا.
فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا فِي هَذَا الْأَمْرِ بِقِلَّةِ الضَّحِكِ وَكَثْرَةِ
الْبُكَاءِ وُجُوهٌ :(أَحَدُهَا) وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا، أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَجْدَرُ بِهِمْ، بَلِ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ بِحَسَبِ مَا تَقْتَضِيهِ حَالُهُمْ، وَتَسْتَوْجِبُهُ جَرِيمَتُهُمْ، لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ مَا فَاتَهُمْ بِالتَّخَلُّفِ وَالْخِلَافِ مِنْ أَجْرٍ، وَمَا سَيَحْمِلُونَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ وِزْرٍ، وَمَا يُلَاقُونَ فِي الدُّنْيَا مِنْ خِزْيٍ وَضُرٍّ، فَهُوَ خَبَرٌ فِي صِيغَةِ أَمْرٍ، نُكْتَتُهُ أَنَّهُ أَمْرٌ مَبْنِيٌّ عَلَى وَاجِبٍ مُقَرَّرٍ. (ثَانِيهَا) أَنَّ هَذَا مَا يَكُونُ مِنْ أَمْرِهِمْ فِي الدُّنْيَا، فَلَنْ يَطِيبَ لَهُمْ فِيهَا عَيْشٌ بَعْدَ أَنْ هَتَكَ الْوَحْيُ أَسْتَارَهُمْ، وَكَشَفَ عَوَارَهُمْ، وَأُمِرَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ بِمُعَامَلَتِهِمْ بِمَا يَقْتَضِيهِ نِفَاقُهُمْ، وَعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِمَا يُظْهِرُونَ مِنْ إِسْلَامِهِمْ. (ثَالِثُهَا) أَنَّ الْمُرَادَ بِالضَّحِكِ الْقَلِيلِ مَا سَيَكُونُ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا بَعْدَ الْفَضِيحَةِ، وَهُوَ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا كَانَ مِنْ مَاضِيهِمْ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى حَيَاتِهِمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، وَبِالْبُكَاءِ الْكَثِيرِ مَا سَيَكُونُ مِنْهُمْ