وقال ابن عاشور :
﴿ سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ ﴾
الجملة مستأنفة ابتدائية تعداد لأحوالهم.
ومعناها ناشىء عن مضمون جملة ﴿ لن نؤمن لكم ﴾ [ التوبة : ٩٤ ] تنبيهاً على أنهم لا يرعَوُون عن الكذب ومخادعة المسلمين، فإذا قيل لهم ﴿ لن نؤمن لكم ﴾ [ التوبة : ٩٤ ] حلفوا على أنهم صادقون ترويجاً لخداعهم : وهذا إخبار بما سيلاقِي به المنافقون المسلمين قبل وقوعه وبعد رجوع المسلمين من الغزو.
و﴿ إذا ﴾ هنا ظرف للزمن الماضي.
وحذف المحلوف عليه لظهوره، ولتقدم نظيره في قوله :﴿ وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم ﴾ [ التوبة : ٤٢ ] إلا أن ما تقدم في حلفهم قبل الخروج.
والانقلاب : الرجوع، وتقدم في قوله ﴿ انقلبتم على أعقابكم ﴾ في آل عمران ( ١٤٤ ).
وصرح بعلة الحلف هنا أنه لقصد إعراض المسلمين عنهم، أي عن عتابهم وتقريعهم، للإشارة إلى أنهم لا يقصدون تطييب خواطر المسلمين ولكن أرادوا التملّص من مسبة العتاب ولَذْعِه.
ولذلك قال في الآيتين الأخريين ﴿ يحلفون بالله لكم ليرضوكم ﴾ [ التوبة : ٦٢ ] ﴿ يحلفون لكم لترضَوا عنهم ﴾ [ التوبة : ٩٦ ] لأنّ ذلك كان قبل الخروج إلى الغزو فلما فات الأمر وعلموا أن حلفهم لم يصدقه المسلمون صاروا يحلفون لقصد أن يُعرض المسلمون عنهم.
وأدخل حرف ( عن ) على ضمير المنافقين بتقدير مضاف يدل عليه السياق لظهور أنهم يريدون الإعراض عن لومهم.
ففي حذف المضاف تهيئة لتفريع التقريع الواقع بعده بقوله :﴿ فأعرضوا عنهم ﴾، أي فإذا كانوا يرومون الإعراض عنهم فأعرضوا عنهم تماماً.


الصفحة التالية
Icon