(سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ) سَيُؤَكِّدُونَ لَكُمُ اعْتِذَارَهُمْ بِالْأَيْمَانِ الْكَاذِبَةِ إِذَا انْقَلَبْتُمْ وَتَحَوَّلْتُمْ إِلَيْهِمْ مِنْ سَفَرِكُمْ لِأَجْلِ أَنْ تُعْرِضُوا عَنْ عَتْبِهِمْ وَتَوْبِيخِهِمْ عَلَى قُعُودِهِمْ مَعَ الْخَالِفِينَ مِنَ النِّسَاءِ وَالْأَطْفَالِ وَالْعَجَزَةِ، وَبُخْلِهِمْ بِالنَّفَقَةِ، وَلَمْ يُذْكَرِ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى شُمُولِهِ لِكُلِّ مَا يُعْتَذَرُ عَنْهُ :(فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ) إِعْرَاضَ إِهَانَةٍ وَاحْتِقَارٍ، لَا إِعْرَاضَ صَفْحٍ وَإِعْذَارٍ، وَهَذَا التَّعْبِيرُ مِنْ أُسْلُوبِ الْحَكِيمِ، وَهُوَ قَبُولُ مَا يَبْغُونَ مِنَ الْإِعْرَاضِ عَنْهُمْ وَلَكِنْ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي يَرْجُونَهُ مِنْهُ بَلْ عَلَى ضِدِّهِ، وَقَدْ عَلَّلَ الْأَمْرَ بِقَوْلِهِ :(إِنَّهُمْ رِجْسٌ) أَيْ قَذَرٌ مَعْنَوِيٌّ يَجِبُ الْإِعْرَاضُ عَنْهُ تَنَزُّهًا عَنِ الْقُرْبِ مِنْهُ بِأَشَدَّ مِمَّا يَتَنَزَّهُ الطَّاهِرُ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ عَنْ مُلَابَسَةِ الْأَرْجَاسِ وَالْأَقْذَارِ الْحِسِّيَّةِ. وَهَذَا بِمَعْنَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ :(إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) (٢٨) وَسَبَقَ بَيَانُ مَعْنَى الرِّجْسِ فِي تَفْسِيرِ آيَةِ (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) (٥ : ٩٠) مِنْ سُورَةِ الْمَائِدَةِ (وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) أَيْ وَمَلْجَؤُهُمُ الْأَخِيرُ نَارُ جَهَنَّمَ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَعْمَالِ النِّفَاقِ الَّتِي دَنَّسَتْ أَنْفُسَهُمْ، وَالْإِعْرَاضِ عَنْ آيَاتِ اللهِ الَّذِي زَادَهُمْ رِجْسًا عَلَى رِجْسِهِمْ، كَمَا تَرَاهُ فِي الْآيَةِ (١٢٥) الْآتِيَةِ.