(يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ) فَتَسْتَدِيمُوا مُعَامَلَتَهُمُ السَّابِقَةَ بِظَاهِرِ إِسْلَامِهِمْ وَهَذَا غَرَضٌ آخَرُ وَرَاءَ غَرَضِ الْإِعْرَاضِ عَنْهُمْ لَا يَهْنَأُ عَيْشُهُمْ بِدُونِهِ، وَلَا حَظَّ لَهُمْ مِنْ إِظْهَارِ الْإِسْلَامِ غَيْرَهُ وَلَوْ كَانَ إِسْلَامُهُمْ عَنْ إِيمَانٍ لَكَانَ غَرَضُهُمُ الْأَوَّلُ إِرْضَاءَ اللهِ وَرَسُولِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي آيَةِ (يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ) (٦٢) إِلَخْ. وَلَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ وَهَذِهِ حَالَتُهُمْ (فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ) فَرْضًا وَقَدْ أَعْلَمَكُمُ اللهُ بِحَالِهِمْ (فَإِنَّ اللهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) عَنْ أَمْرِهِ مِنْهُمْ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَإِنَّ هَذَا الْفُسُوقَ سَبَبٌ أَوْ عِلَّةٌ لِسُخْطِ اللهِ تَعَالَى، فَالْحُكْمُ بِعَدَمِ رِضَاهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ لَا بِذَوَاتِهِمْ وَشُخُوصِهِمْ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إِذَا فُرِضَ أَنَّ بَعْضَ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ عَنْهُمْ وَآمَنَ لَهُمْ بِاعْتِذَارِهِمْ بَعْدَ النَّهْيِ عَنْهُ كَانَ فَاسِقًا مِثْلَهُمْ، مَحْرُومًا مِنْ رِضَائِهِ تَعَالَى، كَمَا أَنَّ مَنْ يَتُوبُ مِنْهُمْ وَيُرْضِي اللهَ وَرَسُولَهُ يَخْرُجُ مِنْ حُدُودِ سُخْطِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيَدْخُلُ فِي حَظِيرَةِ مَرْضَاتِهِ ; إِذْ لَا يُعَدُّ بَعْدَ ذَلِكَ فَاسِقًا. فَأَحْكَامُ اللهِ الْعَامَّةُ وَوَعْدُهُ وَوَعِيدُهُ تَتَعَلَّقُ بِالْأَعْمَالِ وَالصِّفَاتِ النَّفْسِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ لَا بِالذَّوَاتِ وَالْأَعْيَانِ، وَلَوْ قَالَ :(فَإِنَّ اللهَ لَا يَرْضَى عَنْهُمْ) لَمَا أَفَادَ التَّعْبِيرُ هَذِهِ الْحَقَائِقَ وَالْمَعَانِيَ، بَلْ كَانَ يَكُونُ حُكْمًا عَلَى أَفْرَادٍ مُعَيَّنِينَ، مُسَجِّلًا عَلَيْهِمُ الْمَوْتَ عَلَى


الصفحة التالية
Icon