واختار الإمام أن المراد بالسابقين من المهاجرين السابقون في الهجرة ومن السابقين من الأنصار السابقون في النصرة وادعى أن ذلك هو الصحيح عنده، واستد عليه بأنه سبحانه ذكر كونهم سابقين ولم يبين أنهم سابقون فيما ذا فبقى اللفظ مجملاً إلا أنه تعالى لما وصفهم بكونهم مهاجرين وأنصاراً علم أن المراد من السبق السبق في الهجرة والنصرة إزالة للإجمال عن اللفظ، وأيضاً كل واحدة من الهجرة والنصرة لكونه فعلاً شاقاً على النفس طاعة عظيمة فمن أقدم عليه أولاً صار قدوة لغيره في هذه الطاعة وكان ذلك مقوياً لقلب الرسول ﷺ وسبباً لزوال الوحشة عن خاطره الشريف عليه الصلاة والسلام فلذلك أثني الله تعالى على كل من كان سابقاً إليهما وأثبت لهم ما أثبت، وكيف لا وهم آمنوا وفي عدد المسلمين في مكة والمدينة قلة وضعف فقوى الإسلام بسببهم وكثر عدد المسلمين بإسلامهم وقوى قلبه ﷺ بسبب دخولهم في الإسلام واقتداء غيرهم بهم فكان حالهم في ذلك كحال من سن سنه حسنة ؛ وفي الخبر "من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة" ولا يخفى أنه حسن.
ويجوز عندي أن يراد بالسابقين الذين سبقوا إلى الإيمان بالله واليوم الآخر واتخاذ ما ينفقون قربات والقرينة على ذلك ظاهرة، وأياماً كان فالسابقون مبتدأ خبره قوله تعالى :﴿ رَّضِىَ الله عَنْهُمْ ﴾ أي بقبول طاعتهم وارتضاء أعمالهم ﴿ وَرَضُواْ عَنْهُ ﴾ بما نالوه من النعم الجليلة الشأن.
وجوز أبو البقاء أن يكون الخبر ﴿ الاولون ﴾ أو ﴿ مِنَ المهاجرين ﴾ وأن يكون ﴿ السابقون ﴾ معطوفاً على ﴿ مَن يُؤْمِنُ ﴾ [ التوبة : ٩٩ ] أي ومنهم السابقون وما ذكرناه أظهر الوجوه.
وعن عمر رضي الله تعالى عنه انه قرأ ﴿ والانصار ﴾ بالرفع على أنه معطوف على السابقون.
وأخرج أبو عبيدة.
وابن جرير.
وابن المنذر.


الصفحة التالية
Icon