قال القاضي أبو محمد : وفعل النبي ﷺ هذا بهم على جهة التأديب اجتهاداً منه فيهم، ولم يسلخهم ذلك من الإسلام وإنما هو كما يخرج العصاة والمتهمون، ولا عذاب أعظم من هذا، وكان رسول الله ﷺ كثيراً ما يتكلم فيهم على الإجمال دون تعيين، فهذا أيضاً من العذاب، وقال قتادة وغيره : العذاب الأول هو علل وأدواء أخبر الله نبيه ﷺ أنه يصيبهم بها، وأسند الطبري في ذلك عن قتادة أنه قال ذكر لنا أن نبي الله ﷺ أسرَّ إلى حذيفة باثني عشر رجلاً من المنافقين وقال " ستة منهم تكفيكهم الدبيلة سراج من نار جهنم تأخذ في كتف أحدهم حتى تقضي إلى صدره، وستة يموتون موتاً " ذكر لنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا مات رجل ممن يظن أنه منهم نظر إلى حذيفة فإن صلى صلى عمر عليه وإلا ترك.
وذكر لنا أن عمر رضي الله عنه قال لحذيفة أنشدك بالله أمنهم أنا ؟ قال لا والله ولا أؤمن منها أحداً بعدك؟ وقال ابن زيد في قوله تعالى :﴿ سنعذبهم مرتين ﴾ أما عذاب الدنيا فالأموال والأولاد، لكل صنف عذاب، فهو مرتان، وقرأ قول الله تعالى :﴿ فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا ﴾ [ التوبة : ٥٥ ] وقال ابن زيد أيضاً " المرتان " هي في الدنيا، الأولى القتل والجوع والمصائب، والثانية الموت إذ هو للكفار عذاب، وقال الحسن : الأولى هي أخذ الزكاة من أموالهم، و" العذاب العظيم " هو جميع ما بعد الموت، وأظن الزجّاج أشار إليه. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٣ صـ ﴾