وقال القاسمى :
﴿ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ ﴾
يعني حول بلدتكم، وهي المدينة ﴿ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ ﴾
أي : مرنوا ومهروا فيه وقوله عز شأنه ﴿ لا تَعْلَمُهُمْ ﴾ دليل لمرانتهم عليه، ومهارتهم فيه، أي : يخفون عليك، مع علوّ كعبك في الفطنة وصدق الفراسة، لفرط تأنقهم وتصنعهم في مراعاة التقية، والتحامي عن مواقع التهم.
قال في " الإنتصاف " وكأن قوله تعالى :﴿ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ ﴾ توطئة لتقرير خفاء حالهم عنه ﷺ، لما لهم من الخبرة في النفاق والضراوة به. انتهى.
وقوله تعالى :﴿ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ﴾ تقرير لما سبق من مهارتهم في النفاق، أي : لا يعلمهم إلا الله، ولا يطلع على سرهم غيره، لما هم عليه من شدة الإهتمام بإبطان الكفر، وإظهار الإخلاص.
وقوله تعالى :﴿ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾ للمفسرين في المرتين وجوه : إظهار نفاقهم وإحراق مسجد الضرار، أو الفضيحة وعذاب القبر، أو أخذ الزكاة لما أنهم يعدّونها مغرماً بحتاً، ونهك الأبدان، وإتعابها بالطاعات الفارغة عن الثواب.
وقال محمد بن إسحاق : هو - فيما بلغني عنهم - ما هم من أمر الإسلام، وما يدخل عليهم من غيظ ذلك على غير حسبة، ثم عذابهم في القبور إذا صاروا إليها، ثم العذاب العظيم الذي يُرَدُّون إليه، عذاب الآخرة، ويخلدون فيه.
قال أبو السعود : ولعل تكرير عذابهم، لما فيهم من الكفر المشفوع بالنفاق، أو النفاق المؤكد بالتمرد فيه.