وقال ابن عاشور :
﴿ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ﴾
كانت الأعراب الذين حول المدينة قد خلصوا للنبيء ﷺ وأطاعوه وهم جهينة، وأسلم، وأشجع، وغفار، ولحيان، وعصية، فأعلم الله نبيه ﷺ أن في هؤلاء منافقين لئلا يغتر بكل من يظهر له المودة.
وكانت المدينة قد خلص أهلها للنبيء ﷺ وأطاعوه فأعلمه الله أن فيهم بقية مردوا على النفاق لأنه تأصل فيهم من وقت دخول الإسلام بينهم.
وتقديم المجرور للتنبيه على أنه خبر، لا نعت.
و( مِن ) في قوله ﴿ وممن حولكم ﴾ للتبعيض و ( مِن ) في قوله :﴿ من الأعراب ﴾ لبيان ( مَن ) الموصولة.
و( مِن ) في قوله :﴿ ومن أهل المدينة ﴾ اسم بمعنى بعض.
و﴿ مردوا ﴾ وخبر عنه، أو تجعل ( مِن ) تبعيضية مؤذنة بمبعض محذوف، تقديره : ومن أهل المدينة جماعة مردوا، كما في قوله تعالى :﴿ من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ﴾ في سورة النساء ( ٤٦ ).
ومعنى مرد على الأمر مَرِن عليه ودَرِب به، ومنه الشيطان المارد، أي في الشيطنة.
وأشير بقوله : لا تعلمهم نحن نعلمهم } إلى أن هذا الفل الباقي من المنافقين قد أراد الله الاستيثار بعلمه ولم يُطلع عليهم رسوله ﷺ كما أطلعه على كثير من المنافقين من قبلُ.
وإنما أعلمه بوجودهم على الإجمال لئلا يغتر بهم المسلمُون، فالمقصود هو قوله :﴿ لا تعلمهم ﴾.
وجملة ﴿ نحن نعلمهم ﴾ مستأنفة.
والخبر مستعمل في الوعيد، كقوله :﴿ وسيرى الله عملكم ورسوله ﴾ [ التوبة : ٩٤ ]، وإلا فإن الحكم معلوم للمخاطب فلا يحتاج إلى الإخبار به.
وفيه إشارة إلى عدم الفائدة للرسول ﷺ في علمه بهم، فإن علم الله بهم كاف.
وفيه أيضاً تمهيد لقوله بعده ﴿ سنعذبهم مرتين ﴾.