قلنا : السبق في الهجرة يتضمن السبق في الإسلام، والسبق في الإسلام لا يتضمن السبق في الهجرة، فكان حمل اللفظ على السبق في الهجرة أولى.
وأيضاً فهب أنا نحمل اللفظ على السبق في الإيمان، إلا أنا نقول : قوله :﴿والسابقون الأولون﴾ صيغة جمع فلا بد من حمله على جماعة، فوجب أن يدخل فيه علي رضي الله عنه وغيره، وهب أن الناس اختلفوا في أن إيمان أبي بكر أسبق أم إيمان علي ؟ لكنهم اتفقوا على أن أبا بكر من السابقين الأولين، واتفق أهل الحديث على أن أول من أسلم من الرجال أبو بكر، ومن النساء خديجة، ومن الصبيان علي، ومن الموالي زيد، فعلى هذا التقدير : يكون أبو بكر من السابقين الأولين، وأيضاً قد بينا أن السبق في الإيمان إنما أوجب الفضل العظيم من حيث إنه يتقوى به قلب الرسول عليه السلام، ويصير هو قدوة لغيره، وهذا المعنى في حق أبي بكر أكمل، وذلك لأنه حين أسلم كان رجلاً كبير السن مشهوراً فيما بين الناس، واقتدى به جماعة من أكابر الصحابة رضي الله عنهم، فإنه نقل أنه لما أسلم ذهب إلى طلحة والزبير وعثمان بن عفان، وعرض الإسلام عليهم، ثم جاء بهم بعد أيام إلى الرسول عليه السلام، وأسلموا على يد الرسول عليه السلام، فظهر أنه دخل بسبب دخوله في الإسلام قوة في الإسلام، وصار هذا قدوة لغيره، وهذه المعاني ما حصلت في علي رضي الله عنه، لأنه في ذلك الوقت كان صغير السن، وكان جارياً مجرى صبي في داخل البيت، فما كان يحصل بإسلامه في ذلك الوقت مزيد قوة للإسلام، وما صار قدوة في ذلك الوقت لغيره، فثبت أن الرأس والرئيس في قوله :﴿والسابقون الأولون مِنَ المهاجرين﴾ ليس إلا أبا بكر، أما قوله لم قلتم إنه بقي موصوفاً بهذه الصفة بعد إقدامه على طلب الإمامة ؟
قلنا : قوله تعالى :﴿رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ﴾ يتناول جميع الأحوال والأوقات بدليل أنه لا وقت ولا حال إلا ويصح استثناؤه منه.


الصفحة التالية
Icon