فوجب كونه تعالى رائياً للكل وذلك يدل على أن هذه الأشياء كلها مرئية لله تعالى، وأما الجبائي فإنه كان يحتج بهذه الآية على كونه تعالى رائياً للحركات والسكنات والاجتماعات والافتراقات، فلما قيل له : إن صح هذا الاستدلال، فيلزمك كونه تعالى رائياً لأعمال القلوب، فأجاب عنه أنه تعالى عطف عليه قوله :﴿وَرَسُولُهُ والمؤمنون﴾ وهم إنما يرون أفعال الجوارح، فلما تقيدت هذه الرؤية بأعمال الجوارح في حق المعطوف وجب تقييدها بهذا القيد في حق المعطوف عليه، وهذا بعيد لأن العطف لا يفيد إلا أصل التشريك.
فأما التسوية في كل الأمور فغير واجب، فدخول التخصيص في المعطوف، لا يوجب دخول التخصيص في المعطوف عليه، ويمكن الجواب عن أصل الاستدلال فيقال : رؤية الله تعالى حاصلة في الحال.
والمعنى الذي يدل عليه لفظ الآية وهو قوله :﴿فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ﴾ أمر غير حاصل في الحال، لأن السين تختص بالاستقبال.
فثبت أن المراد منه الجزاء على الأعمال.
فقوله :﴿فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ﴾ أي فسيوصل لكم جزاء أعمالكم.
ولمجيب أن يجيب عنه، بأن إيصال الجزاء إليهم مذكور بقوله :﴿فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ فلو حملنا هذه الرؤية على إيصال الجزاء لزم التكرار، وأنه غير جائز.
المسألة الثالثة :
في قوله :﴿فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ والمؤمنون﴾ سؤال : وهو أن عملهم لا يراه كل أحد، فما معنى هذا الكلام ؟
والجواب : معناه وصول خبر ذلك العمل إلى الكل.
قال عليه السلام " لو أن رجلاً عمل عملاً في صخرة لا باب لها ولا كوة لخرج عمله إلى الناس كائناً ما كان "
فإن قيل : فما الفائدة في ذكر الرسول والمؤمنين بعد ذكر الله في أنهم يرون أعمال هؤلاء التائبين ؟
قلنا : فيه وجهان :


الصفحة التالية