يحصل لها نوع تعلق بهذا البدن بسبب المشاكلة والمجانسة، وتصير كالمعاونة لهذه الروح على أعمالها إن خيراً فخير وأن شراً فشر.
وإذا عرفت هذا السر فالإنسان لا بد وأن يكون مصحوباً بتلك الأرواح المجانسة له، فقوله :"سلام عليكم" إشارة إلى تسليم هذا الشخص المخصوص على جميع الأرواح الملازمة المصاحبة إياه بسبب المصاحبة الروحانية.
ومن لطائف هذا الباب أن الأرواح الإنسانية إذا اتصفت بالمعارف الحقيقية والأخلاق الفاضلة، وقويت وتجردت، ثم قوي تعلق بعضها ببعض انعكس أنوارها بعضها على بعض على مثال المرآة المشرقة المتقابلة.
فلهذا السبب فإن من أراد أن يقرأ وظيفة على أستاذه فالأدب أن يبدأ بحمد الله والثناء على الملائكة الأنبياء، ثم يدعو لأستاذه ثم يشرع في القراءة، والمقصود منها أن يقوي التعلق بين روحه وبين هذه الأرواح المقدسة الطاهرة، حتى أن بسبب قوة ذلك التعلق ربما ظهر شيء من أنوارها وآثارها في روح هذا الطالب، فيستقر في عقله من الأنوار الفائضة منها، ويقوي روحه بمدد ذلك الفيض على إدراك المعارف والعلوم.
إذا عرفت هذا فإذا قال لغيره :"سلام عليكم" حدث بينهما تعلق شديد، وحصل بسبب ذلك التعلق تطابق الأرواح وتعاكس الأنوار، ولنكتف بهذا القدر في هذا الباب، فإنا قد ذكرنا أن هذا الفصل أجنبي عن هذا الكلام، والله أعلم.
المسألة السادسة :
قوله :﴿إنَّ صلواتك سَكَنٌ لَّهُمْ﴾ قال الواحدي : السكن في اللغة ما سكنت إليه، والمعنى : أن صلاتك عليهم توجب سكون نفوسهم إليك، وللمفسرين عبارات : قال ابن عباس رضي الله عنهما : دعاؤك رحمة لهم.
وقال قتادة : وقار لهم.
وقال الكلبي : طمأنينة لهم، وقال الفراء : إذا استغفرت لهم سكنت نفوسهم إلى أن الله تعالى قبل توبتهم.


الصفحة التالية