فصل
قال الفخر :
ثم قال تعالى :﴿خُذْ مِنْ أموالهم صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
اختلف الناس في المراد.
فقال بعهضم : هذا راجع إلى هؤلاء الذين تابوا، وذلك لأنهم بذلوا أموالهم للصدقة، فأوجب الله تعالى أخذها، وصار ذلك معتبراً في كمال توبتهم لتكون جارية في حقهم مجرى الكفارة، وهذا قول الحسن، وكان يقول ليس المراد من هذه الآية الصدقة الواجبة، وإنما هي صدقة كفارة الذنب الذي صدر منهم.
والقول الثاني : أن الزكوات كانت واجبة عليهم، فلما تابوا من تخلفهم عن الغزو وحسن إسلامهم، وبذلوا الزكاة أمر الله رسوله أن يأخذها منهم.
والقول الثالث : أن هذه الآية كلام مبتدأ، والمقصود منها إيجاب أخذ الزكاة من الأغنياء وعليه أكثر الفقهاء إذ استدلوا بهذه الآية في إيجاب الزكوات.
وقالوا في الزكاة إنها طهرة، أما القائلون بالقول الأول : فقد احتجوا على صحة قولهم بأن الآيات لا بد وأن تكون منتظمة متناسقة، أما لو حملناها على الزكوات الواجبة ابتداء، لم يبق لهذه الآية تعلق بما قبلها، ولا بما بعدها، وصارت كلمة أجنبية، وذلك لا يليق بكلام الله تعالى، وأما القائلون بأن المراد منه أخذ الزكوات الواجبة، قالوا : المناسبة حاصلة أيضاً على هذا التقدير، وذلك لأنهم لما أظهروا التوبة والندامة، عن تخلفهم عن غزوة تبوك، وهم أقروا بأن السبب الموجب لذلك التخلف حبهم للأموال وشدة حرصهم على صونها عن الإنفاق، فكأنه قيل لهم إنما يظهر صحة قولكم في ادعاء هذه التوبة والندامة لو أخرجتم الزكاة الواجبة، ولم تضايقوا فيها، لأن الدعوى لا تتقرر إلا بالمعنى، وعند الامتحان يكرم الرجل أو يهان، فإن أدوا تلك الزكوات عن طيبة النفس ظهر كونهم صادقين في تلك التوبة والإنابة، وإلا فهم كاذبون مزورون بهذا الطريق.