لكن حمل هذه الآية على التكليف بإخراج الزكوات الواجبة مع أنه يبق نظم هذه الآيات سليماً أولى، ومما يدل على أن المراد الصدقات الواجبة.
قوله :﴿تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا﴾ والمعنى تطهرهم عن الذنب بسبب أخذ تلك الصدقات، وهذا إنما يصح لو قلنا إنه لو لم يأخذ تلك الصدقة لحصل الذنب، وذلك إنما يصح حصوله في الصدقات الواجبة.
وأما القائلون بالقول الأول : فقالوا : إنه عليه الصلاة والسلام لما عذر أولئك التائبين وأطلقهم قالوا يا رسول الله هذه أموالنا التي بسببها تخلفنا عنك فتصدق بها عنا وطهرنا واستغفر لنا، فقال عليه الصلاة والسلام
" ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئاً، " فأنزل الله تعالى هذه الآيات فأخذ رسول الله ﷺ ثلث أموالهم، وترك الثلثين لأنه تعالى قال :﴿خُذْ مِنْ أموالهم صَدَقَةً﴾ ولم يقل خذ أموالهم، وكلمة ﴿مِنْ﴾ تفيد التبعيض.
واعلم أن هذه الرواية لا تمنع القول الذي اخترناه كأنه قيل لهم إنكم لما رضيتم بإخراج الصدقة التي هي غير واجبة فلأن تصيروا راضين بإخراج الواجبات أولى.
المسألة الثانية :
هذه الآية تدل على كثير من أحكام الزكاة.
الحكم الأول
أن قوله :﴿خُذْ مِنْ أموالهم﴾ يدل على أن القدر المأخوذ بعض تلك الأموال لا كلها إذ مقدار ذلك البعض غير مذكور ههنا بصريح اللفظ، بل المذكور ههنا قوله :﴿صَدَقَةٍ﴾ ومعلوم أنه ليس المراد منه التنكير حتى يكفي أخد أي جزء كان، وإن كان في غاية القلة، مثل الحبة الواحدة من الحنطة أو الجزء الحقير من الذهب، فوجب أن يكون المراد منه صدقة معلومة الصفة والكيفية والكمية عندهم، حتى يكون قوله :﴿خُذْ مِنْ أموالهم صَدَقَةً﴾ أمراً بأخذ تلك الصدقة المعلومة، فحينئذ يزول الإجمال.