ومعلوم أن تلك الصدقة ليست إلا الصدقات التي وصفها رسول الله ﷺ وبين كيفيتها، والصدقة التي بين رسول الله ﷺ هي أنه أمر بأن يؤخذ في خمس وعشرين بنت مخاض، وفي ستة وثلاثين بنت لبون، إلى غير ذلك من المراتب، فكان قوله :﴿خُذْ مِنْ أموالهم صَدَقَةً﴾ أمراً بأن يأخذ تلك الأشياء المخصوصة والأعيان المخصوصة، وظاهر الآية للوجوب، فدل هذا النص على أن أخذها واجب، وذلك يدل على أن القيمة لا تكون مجزئة على ما هو قول الشافعي رحمه الله.
الحكم الثاني
أن قوله :﴿مِنْ أموالهم صَدَقَةً﴾ يقتضي أن يكون المال مالاً لهم، ومتى كان الأمر كذلك لم يكن الفقير شريكاً للمالك في النصاب، وحينئذ يلزم أن تكون الزكاة متعلقة بالذمة.
وأن لا يكون لها تعلق ألبتة بالنصاب.
وإذا ثبت هذا فنقول : إنه إذا فرط في الزكاة حتى هلك النصاب، فالذي هلك ما كان محلاً للحق، بل محل الحق باق كما كان، فوجب أن يبقى ذلك الوجوب بعد هلاك النصاب كما كان، وهذا قول الشافعي رحمه الله.
الحكم الثالث
ظاهر هذا العموم يوجب الزكاة في مال المديون، وفي مال الضمان، وهو ظاهر.
الحكم الرابع
ظاهر الآية يدل على أن الزكاة إنما وجبت طهرة عن الآثام، فلا تجب إلا حيث تصير طهرة عن الآثام، وكونها طهرة عن الآثام لا يتقرر إلا حيث يمكن حصول الآثام، وذلك لا يعقل إلا في حق البالغ، فوجب أن لا يثبت وجوب الزكاة إلا في حق البالغ كما هو قول أبي حنيفة رحمه الله، إلا أن الشافعي رحمه الله يجيب ويقول إن الآية تدل على أخذ الصدقة من أموالهم، وأخذ الصدقة من أموالهم يستلزم كونها طهرة، فلم قلتم إن أخذ الزكاة من أموال الصبي، والمجنون طهرة لأنه لا يلزم من انتفاء سبب معين انتفاء الحكم مطلقاً ؟
المسألة الثالثة :
في قوله :﴿تُطَهّرُهُمْ﴾ أقوال :
القول الأول : أن يكون التقدير : خذ يا محمد من أموالهم صدقة فإنك تطهرهم.