وقال أبو السعود :
﴿ لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الذى بَنَوْاْ ﴾
البنيانُ مصدرٌ أُريد به المفعولُ، ووصفُه بالموصول الذي صلتُه فعله للإيذان بكيفية بنائِهم له وتأسيسِه على أوهن قاعدةٍ وأوهى أساسٍ وللإشعار بعلة الحُكم، أي لا يزال مسجدُهم ذلك مبنياً ومهدوماً ﴿ رِيبَةً فِى قُلُوبِهِمْ ﴾ أي سببَ ريبةٍ وشكَ في الدين كأنه نفسُ مُريبِه. أما حالَ بنيانه فظاهرٌ لِما أن اعتزالَهم من المؤمنين واجتماعَهم في مجمع على حياله يُظهرون فيه ما في قلوبهم من آثار الكفرِ والنفاقِ ويدبِّرون فيه أمورَهم ويتشاورون في ذلك، ويُلقي بعضُهم إلى بعض ما سمعوا من أسرار المؤمنين مما يزيدهم ريبة وشكاً في الدين، وأما حالَ هدمِه فلما أنه رسَخ به ما كان في قلوبهم من الشر وتضاعفت آثارُه وأحكامُه أو سبّب ريبةً في أمرهم حيث ضعُفت قلوبُهم ووهَى اعتقادُهم بخفاء أمرِهم على أمر المؤمنين لأنهم أظهروا من أمرهم بعد البناءِ أكثرَ مما كانوا يُظهرونه قبل ذلك وقت اختلاطِهم بالمؤمنين وساءت ظنونُهم بأنفسهم فلما هُدم بنيانُهم تضاعف ذلك الضَّعفُ وتقوّى وصاروا مُرتابين في أن رسول الله ﷺ هل يتركهم على ما كانوا عليه من قبل أو يأمرُ بقتلهم ونهبِ أموالِهم. وقال الكلبي : معنى ريبةً حسرةً وندامة. وقال السدي وحبيب والمبرد : لا يزال هدمُ بنيانِهم حزازةً وغيظاً في قلوبهم ﴿ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ ﴾ من التفعل بحذف إحدى التاءين أي إلا أن تتقطع ﴿ قُلُوبِهِمْ ﴾ قِطعاً وتتفرّقَ أجزاءً بحيث لا يبقى لها قابليةُ إدراكٍ وإضمار قطعاً، وهو استثناءٌ من أعم الأوقاتِ أو أعم الأحوال ومحلُّه النصبُ على الظرفية أي لا يزال بنيانُهم ريبةً في كل الأوقات أو كلِّ الأحوال إلا وقتَ تقطُّع قلوبهم أو حالَ تقطعِ قلوبِهم، فحينئذ يسْلُون عنها وأما ما دامت سالمةً فالريبةُ باقيةٌ فيها فهو تصويرٌ لامتناع زوالِ الريبةِ عن قلوبهم، ويجوزُ أن يكون المرادُ حقيقةً تقطُّعُها عند قتلِهم أو في القبور أو في النار، وقرىء


الصفحة التالية
Icon