وقد روي عن عويم بن ساعدة الأنصاري أن النبيّ ﷺ أتاهم في مسجد قباء فقال :< إن الله تعالى قد أحسن عليكم الثناء في الطهور في قصة مسجدكم، فما هذا الطهور الذي تطهرون فيه ؟ > فقالوا، يا رسول الله ! ما خرج منا رجل ولا امرأة من الغائط إلا غسل فرجه أو مقعدته بالماء، - رواه الإمام احمد وأبو داود والطبراني، واللفظ له -.
وقد روي أن النبيّ ﷺ سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى فقال : هو مسجده - رواه الإمام أحمد ومسلم ـ.
قال ابن كثير : ولا منافاة، لأنه إذا كان مسجد قباء قد أسس على التقوى من أول يوم، فمسجد رسول الله ﷺ بطريق الأولى والأحرى. انتهى.
ومرجعه إلى أن هذا الوصف، وإن كان يصدق عليهما - إلا أن الأحرى به بعد هو المسجد النبوي، أي : فالحديث ليس في معرض تعيين ما في الآية، بل في بيان الأحق بهذا الوصف الآن.
وقال السهروردي : كل منهما مراد، لأن كلاًّ منهما أسس على التقوى من أول يوم تأسيسه.
والسر في إجابته ﷺ السؤال عن ذلك، دفع ما توهمه السائل من اختصاص ذلك بمسجد قباء، والتنويه بمزية هذا عن ذاك.
الرابع : قال السهيلي ـ نور الله مرقده ـ : في الآية ـ يعني قوله تعالى :﴿ مِنْ أوَّلِ يَوْمٍ ﴾ - من الفقه، صحة ما اتفق عليه الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين مع عمر رضي الله عنه حين شاورهم في التاريخ، فاتفق رأيهم على أن يكون من عام الهجرة، لأنه الوقت الذي عزّ فيه الإسلام، والحين الذي أمِنَ فيه النبيّ ﷺ، وبنيت المساجد، وعُبد الله كما يجب، فوافق رأيهم هذا ظاهر التنزيل، وفهمنا الآن بفعلهم أن قوله تعالى :﴿ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ ﴾ أن ذلك اليوم هو أول أيام التاريخ الذي يؤرخ به الآن.