فإن كان الصحابة أخذوه من هذه الآية، فهو الظن بهم، لأنهم أعلم الناس بتأويل كتاب الله وأفهمهم بما في القرآن من الإشارات، وإن كان ذلك على رأي واجتهاد، فقد علمه الله وأشار إلى صحته قبل أن يفعل، إذ لا يعقل قول القائل : فعلته أول يوم إلا بالإضافة إلى عام معلوم، أو شهر معلوم، أو تاريخ معلوم.
وليس ههنا إضافة في المعنى إلا إلى هذا التاريخ المعلوم، لعدم القرائن الدالة على غيره من قرينة لفظ أو حال، فتدبره، ففيه معتبرٌ لمن ادّكر، وعِلْمٌ لمن رأى بعين فؤاده واستبصر.
الخامس : التأسيس وضع الأساس، وهو أصل البناء، وأوله، وبه إحكامه، ففي الآية شبَّه التقوى والرضوان تشبيهاً مكنيّاً مضمراً في النفس، بما يعتمد عليه أصل البناء.
وأسس بنيانه تخييل، فهو مستعمل في معناه الحقيقي، أو هو مجاز بناء على جوازه، فتأسيس البنيان بمعنى إحكام أمور دينه، أو تمثيل لحال من أخلص لله وعمل الأعمال الصالحة، بحال من بنى بناءً محكماً مؤسساً يستوطنه ويتحصن به. أو البنيان استعارة أصلية، والتأسيس ترشيح أو تبعية، والشفا : الحرف والشفير.
وجُرُف الوادي : جانبه الذي يتحفر أصله بالماء، وتجرفه السيول، فيبقى واهياً.
والهار : الهائر، وهو المتصدع الذي أشفى على التهدم والسقوط. قيل : هو مقلوب، وأصله هاور، أو هاير. وقيل : حذفت عينه اعتباطاً، فوزنه فال. والإعراب على رائه كباب، وقيل : لا قلب فيه ولا حذف، ووزنه في الأصل فعِل
بكسر العين، ككتف، وهو هَوِرٌ أو هيرٌ، ومعناه ساقط أو مشرف على السقوط. وفاعل انهار، إما ضمير البنيان، وضمير به للمؤسس، أي : سقط بنيان الباني بما عليه. أو للشفا، وضمير به للبنيان.