قال الرازيّ : وهذا القول متعين، لأن التطهر من الذنوب والمعاصي هو المؤثر في القرب من الله تعالى، واستحقاق ثوابه ومدحه، ولأنه تعالى وصف أصحاب مسجد الضرار بمضارّة المسلمين، والكفر بالله، والتفريق بني المسلمين، فوجب كون هؤلاء بالضد من صفاتهم، وما ذلك إلا كونهم مبرئين عن الكفر والمعاصي. انتهى.
أقوال : لا تسلم دعوى التعيّن، فإن اللفظ يتناول الطهارتين الباطنة والظاهرة. بل الثانية ما رواه أصحاب السنن والإمام أحمد وابن خزيمة في صحيحه أن النبيّ ﷺ قال لأهل قباء :< قد أثنى الله عليكم في الطهور، فماذا تصنعون > ؟ فقالوا : نستنجي بالماء.
وروى البزّار عن ابن عباس قال : هذه الآية في أهل قباء، سألهم رسول الله ﷺ فقالوا : إنا تنبع الحجارة بالماء.
فإن صح ذلك كان المرادَ من الآية، وتكون حثّاً على الطهارة المذكورة، ومدحاً لها. وكون ذويها على الضد من صفات أولئك، يستفاد من عموم هذا، ومن قوله تعالى :﴿ لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى ﴾ الآية.
العاشر : قال القاشاني : لما كان عالم الملك تحت قهر عالم الملكوت، وتسخيره، لزم أن يكون لنيات النفوس وهيئاتها تأثير فيما يباشرها من الأعمال، فكل ما فعل بنية صادقة لله تعالى عن هيئة نورانية، صحبته بركة ويمن وجمعية وصفاء، وكل ما فعل بنية فاسدة شيطانية عن هيئة مظلمة، صحبته تفرقة وكدورة ومحق وشؤم.
ألا ترى الكعبة كيف شرفت وعظمت وجعلت متبركة لكونها مبنية على يدي نبيّ من أنبياء الله، بنية صادقة، ونفس شريفة صافية، عن كمال إخلاص لله تعالى ؟ ونحن نشاهد أثر ذلك في أعمال الناس، ونجد أثر الصفاء والجمعية في بعض المواضع والبقاع، والكدورة والتفرقة في بعضها.


الصفحة التالية
Icon