وجوابنا أن التعليل وقع بمجموع الأمور المذكورة، فزال هذا السؤال.
واختلفوا في أن مسجد التقوى ما هو ؟ قيل : إنه مسجد قباء، وكان عليه السلام يأتيه في كل سنة فيصلي فيه، والأكثرون أنه مسجد رسول الله ﷺ، وقال سعيد بن المسيب : المسجد الذي أسس على التقوى مسجد الرسول عليه السلام، وذكر أن الرجلين اختلفا فيه، فقال أحدهما : مسجد الرسول، وقال آخر : قباء.
فسألاه عليه السلام فقال هو مسجدي هذا.
وقال القاضي : لا يمنع دخولهما جميعاً تحت هذا الذكر لأن قوله :﴿لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التقوى﴾ هو كقول القائل، لرجل صالح أحق أن تجالسه.
فلا يكون ذلك مقصوراً على واحد.
فإن قيل : لم قال أحق أن تقوم فيه، مع أنه لا يجوز قيامه في الآخر ؟
قلنا : المعنى أنه لو كان ذلك جائزاً لكان هذا أولى، للسبب المذكور.
ثم قال تعالى :﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ والله يُحِبُّ المطهرين﴾ وفيه مباحث :
البحث الأول : أنه تعالى رجح مسجد التقوى بأمرين : أحدهما : أنه بني على التقوى، وهو الذي تقدم تفسيره.
والثاني : إن فيه رجالاً يحبون أن يتطهروا، وفي تفسير هذه الطهارة قولان : الأول : المراد منه التطهر عن الذنوب والمعاصي، وهذا القول متعين لوجوه : أولها : أن التطهر عن الذنوب والمعاصي هو المؤثر في القرب من الله تعالى واستحقاق ثوابه ومدحه.
والثاني : أنه تعالى وصف أصحاب مسجد الضرار بمضارة المسلمين والكفر بالله والتفريق بين المسلمين، فوجب كون هؤلاء بالضد من صفاتهم.
وما ذاك إلا كونهم مبرئين عن الكفر والمعاصي.
والثالث : أن طهارة الظاهر إنما يحصل لها أثر وقدر عند الله لو حصلت طهارة الباطن من الكفر والمعاصي، أما لو حصلت طهارة الباطن من الكفر والمعاصي، ولم تحصل نظافة الظاهر، كأن طهارة الباطن لها أثر، فكان طهارة الباطن أولى.