قوله تعالى ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ( ١٨ )﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما فرغ من المثل كشف المراد بظلماتهم بأنها ما في آذانهم من الثقل المانع من الانتفاع بالسماع، وما في ألسنتهم من الخرس عن كلام الخير الناشىء عن عدم الإدراك الناشىء عن عمى البصائر وفساد الضمائر والسرائر، وما على أبصارهم من الغشاوة المانعة من الاعتبار وعلى بصائرهم من الأغطية المنافية للادّكار فقال :﴿صم﴾ أي عن السماع النافع ﴿بكم﴾ عن النطق المفيد لأن قلوبهم مختوم عليها فلا ينبعث منها خير تقذفه إلى الألسنة ﴿عمي﴾ في البصر والبصيرة عن الإبصار المرشد لما تقدم من الختم على مشاعرهم، ولما كان في مقام إجابة الداعي إلى الإيمان قدم السمع لأنه العمدة في ذلك، وثنى بالقول لأنه يمكن الأصم الإفصاح عن المراد، وختم بالبصر لإمكان الاهتداء به بالإشارة ؛ وكذا ما يأتي في هذه السورة سواء بخلاف ما في الإسراء، ﴿فهم﴾ أي فتسبب عن ذلك أنهم ﴿لا﴾ ولما كان المراد التعميم في كل رجوع لم يذكر المرجوع عنه فقال :﴿يرجعون﴾ أي عن طغيانهم وضلالهم إلى الهدى الذي باعوه ولا إلى حالهم الذي كانوا عليه ولا ينتقلون عن حالهم هذا أصلاً، لأنهم كمن هذا حاله، ومن هذا حاله لا يقدر على مفارقة موضعه بتقدم ولا تأخر. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ١ صـ ٤٨ ـ ٤٩﴾
فائدة
قال السمرقندى :
وتفسير الآية أنهم يتصاممون، حيث لم يسمعوا الحق ولم يتكلموا به، ولم يبصروا العبرة والهدى، فكأنهم صم بكم عمي، ولأن الله تعالى خلق السمع والبصر واللسان لينتفعوا بهذه الأشياء، فإذا لم ينتفعوا بالسمع والبصر صار كأن السمع والبصر لم يكن لهم.


الصفحة التالية
Icon