وقرأ عبد الله بن مسعود وحفصة أم المؤمنين رضي الله عنهما. " صماً، بكماً، عمياً " بالنصب، ونصبه على الحال من الضمير في ﴿مهتدين﴾، وقيل هو نصب على الذم، وفيه ضعف، وأما من جعل الضمير في " نورهم " للمنافقين لا للمستوقدين فنصب هذه الصفات على قوله على الحال من الضمير في ﴿تركهم﴾.
قال بعض المفسرين قوله تعالى ﴿فهم لا يرجعون﴾ إخبار منه تعالى أنهم لا يؤمنون بوجه.
قال القاضي أبو محمد : وإنما كان يصح هذا إن لو كانت الآية في معينين، وقال غيره : معناه ﴿فهم لا يرجعون﴾ ما داموا على الحال التي وصفهم بها، وهذا هو الصحيح، لأن الآية لم تعين، وكلهم معرض للرجوع مدعو إليه. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ١ صـ ١٠٠ ـ ١٠١﴾
وقال ابن الجوزى :
قوله تعالى :﴿صمٌ بكمٌ عمي﴾.
الصمم انسداد منافذ السمع، وهو أشد من الطرش.
وفي البكم ثلاثة أقوال.
أحدها : أنه الخرس، قاله مقاتل، وأبو عبيد، وابن فارس.
والثاني : أنه عيب في اللسان لا يتمكن معه من النطق، وقيل : إن الخرس يحدث عنه.
والثالث : أنه عيب في الفؤاد يمنعه أن يعي شيئاً فيفهمه، فيجمع بين الفساد في محل الفهم ومحل النطق، ذكر هذين القولين شيخنا.
قوله تعالى :﴿فهمْ لا يَرجِعُونَ﴾.
فيه ثلاثة أقوال.
أحدها : لا يرجعون عن ضلالتهم، قاله قتادة ومقاتل.
والثاني : لا يرجعون إِلى الإسلام، قاله السدي.
والثالث : لا يرجعون عن الصمم والبكم والعمى، وإنما أضاف الرجوع إليهم، لأنهم انصرفوا باختيارهم، لغلبة أهوائهم عن تصفح الهدى بآلات التصفح، ولم يكن بهم صمم ولا بكم حقيقة، ولكنهم لما التفتوا عن سماع الحق والنطق به ؛ كانوا كالصمم البكم.
والعرب تسمي المعرض عن الشيء : أعمى، والملتفت عن سماعه : أصم، قال مسكين الدارمي :
ما ضرَّ جاراَ لي أجاوره...
ألا يكون لبابه ستر
أعمى إذا ما جارتي خرجت...
حتى يواري جارتي الخدر
وتصمُّ عما بينهم أذني...
حتى يكون كأنه وقر. أ هـ ﴿زاد المسير حـ ١ صـ ٤١﴾