لطيفة
قال فى ملاك التأويل :
قوله تعالى :" وتركهم فى ظلمات لا يبصرون صم بكم عمى فهم لا يرجعون " وورد فيما بعد :" ومثل الذين كفروا كمثل الذى ينعق بما لايسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمى فهم لا يعقلون " ففى الأولى " لا يرجعون " وفى الثانية " لا يعقلون " مع اتحاد الأوصاف الواردة مورد التسبب والعلة فيما نسب لهم.
والجواب عنه : أنه لما مثل حال المنافقين بحال مستوقد النار لطلب الإضاءة وأنه لما أضاءت ما حولها أذهبها الله وطفيت فلم يكن له ما يستضئ به ويرجع إليه فنفى عنهم وجود ما يرجعون إليه من ضياء يدفع حيرتهم وهذا بين.
أما الآية الثانية فإنه مثل حال الكافرين فيها بحال الغنم فى كونها يصاح بها وتنادى فلا تفهم عن راعيها ولا تسمع إلا صوتاً لا تعقل معناه ولا نفهم ما يراد به كذلك الكفار فى خطاب الرسل إياهم فلا يجيبونهم ولا يعقلون ما يراد بهم وهذا مناسب وكل على ما يجب.
فإن قيل أما تمثيل الكفار وتشبيههم بالغنم فيما ذكر فقد أفصح ذلك قوله تعالى :" أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام " فقد وضح هذا ما ذكرته إلا أن آية البقرة إنما ورد فيها ببادى سياق الكلام وظاهره تشبيه الكفار بالنعاق بالغنم لا بالغنم فكيف يرجع تقدير الآية إلى ما ذكرت ؟
فالجواب : أن إيجاز الكلام يقتضى حذف ما يفهمه السياق اختصاراً فالتقدير فى الآية ما مر من الإشارة إلى التشبيه بالطرفين ومنه قول الشاعر :
وإنى لتعرونى لذكراك فترة كما انتفض العصفور بلله القطر


الصفحة التالية
Icon