وأبعد من جعلها زائدة في الآية الكريمة، أي : مثلهم مثل الذي، ونظّره بقوله :" ونظّره يقوله :" فَصُيِّرُوا مثل كعصف " كأنه جعل المثل والمثل بمعنى واحد، والوجه أن المثل - هنا - بمعنى القصّة والتقدير : صفتهم وقصتهم كقصّة المستوقد، فليست زائدةً على هذا التأويل، وهذا جواب عن سؤال أيضاً، وهو أن يقال : قوله تعالى :﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الذي استوقد﴾ يقتضي تشبيه مثلهم مثل المستوقد، فما مثل المنافقين ومثل المُسْتَوْقِدِ حتّى شّبّه أحدهما بالآخر ؟
فالجواب : أن يقال : استعير المثل للقصّة وللصفة إذا كان لها شأن وفيها غرابة، كأنه قيل : قصتّهم العجيبةُ كقصّة الذي استوقد ناراً، وكذا قوله :﴿مَّثَلُ الجنة التي وُعِدَ المتقون﴾ [ الرعد : ٣٥ ] أي فيما قصصنا عليه من العَجَائب قصّة الجنّة العجيبة.
﴿وَلِلَّهِ المثل الأعلى﴾ [ النحل : ٦٠ ] أي : الوصف الذي له شأن من العظمة والجلالة.
﴿مَثَلُهُمْ فِي التوراة﴾ [ الفتح : ٢٩ ] أي : وصفهم وشأنهم المتعجّب منه، ولكن المَثَل - بالفتح - ولذلك حوفظ في لفظه فلم يغير.
و" الذي " : في محلّ خفض بالإضافة، وهو موصول للمفرد المذكّر، ولكن المراد به - هنا - جمع ولذلك روعي مّعٍنَاه في قوله :﴿ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ﴾ فأعاد الضمير عليه جمعاً، والأولى أن يقال : إنَّ " الذي " وقع وصفاً لشيء يفهم الجمع، ثم حذف ذلك الموصوف للدّلالة عليه.
والتقدير : ومثلهم كمثل الفريق الذي استوقد، أو الجمع الذي اسْتَوْقَدَ ؛ ويكون قد روعي الوصف مرة، فعاد الضمير عليه مفرداً في قوله :﴿استوقد نَاراً﴾ و " حوله "، والموصوف أخرى فعاد الضمير عليه مجموعاً في قوله :" بنورهم "، و " تركهم ".