وقيل : إنَّ المنافقين ذاتهم لم يشبهوا بذات المُسْتوقد، وإنما شبهت قصّتهم بقصّة المستوقد، ومثله قوله :﴿مَثَلُ الذين حُمِّلُواْ التوراة ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحمار﴾ [ الجمعة : ٥ ]، وقوله :﴿يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ المغشي عَلَيْهِ مِنَ الموت﴾ [ محمد : ٢٠ ].
وقيل : المعنى : ومثل كل واحد منهم كقوله :﴿يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً﴾ [ غافر : ٦٧ ] أي : يخرج كلّ واحد منكم.
ووهم أبو البقاء، فجعل هذه الآية من باب ما حذفت منه النُّون تخفيفاً، وأنّ الأصْل :" الذين " ثم خففت بالحذف، وكأنه مثل قوله تعالى :﴿وَخُضْتُمْ كالذي خاضوا﴾ [ التوبة : ٦٩ ]، وقول الشاعر :[ الطويل ].
وَإِنَّ الَّذي حَانَتْ بِفَلْجٍ دِمَاؤُهُمْ...
هُمُ القَمْمُ كُلُّ القَوْمِ يَا أُمُّ خَالِدِ
والأصل :" كالذين خَاضُوا " " وإنَّ الذين حانت ".
وهذا وَهْم ؛ لأنه لو كان من باب ما حذفت النون منه لوجب مُطَابقة الضمير جمعاً كما في قوله تعالى :﴿كالذي خاضوا﴾ [ التوبة : ٦٩ ] و " دِماؤُهُمْ "، فلما قال تعالى :﴿استوقد﴾ بلفظ الإفراد تبيّن أحد الأمرين المتقدّمين : إمّا بصلة من باب وقوع المفرد موقع الجمع ؛ لأن المراد به الجنس، او أنه من باب ما وقع فيه من صفة لموصوف يفهم الجمع.
وقال الزمخشري ما معناه : إنَّ هذه الآية مثل قوله تعالى :﴿كالذي خاضوا﴾ [ التوبة : ٦٩ ]، واعتل لتسويغ ذلك بأمرين.
أحدهما : أن " الذي " لما كان وصلةً لوصف المعارف ناسب حذف بعضه لاستطالته، قال :" ولذلك نهكوه بالحذف، فحذفوا ياءه ثم كسرته، ثم اقتصروا منه على اللاَّم في أسماء الفاعلين والمفعولين ".
والأمر الثاني : أنّ جمعه ليس بمنزلة جمع غيره بالواو والنون، إنما ذلك علامةٌ لزيادة الدّلالة، ألا ترى أنَّ سائر المَوْصُولاَتِ لَفْظُ الجَمْعِ والمفرد التي نظر بها.


الصفحة التالية
Icon