وقوله :[ ﴿وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ﴾ ] هذه جملة معطوفة على قوله :" ذهب الله "، وأصل الترك : التخلية، ويراد به التّصيير، فيتعدّى لاثنين على الصَّحيح ؛ كقول الشَّاعر :[ البسيط ]
أَمَرْتُكَ الخَيْرَ فَافْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ...
فَقَدْ تَرَكْتَكَ ذَا مالٍ وَذَا نَضَبِ
فإن قلنا : هو متعدّ لاثنين كان المفعول الأول هو الضمير، والمفعول الثاني :" في ظلمات " و " لا يبصرون " حال، وهي حال مؤكدة ؛ لأن من كان في ظلمة فهو لا يُبْصِرُ.
وصاحب الحال : إما الضمير المنصوب، أو المرفوع المُسْتَكِنّ في الجار والمجرور.
ولا يجوز أن يكون " في ظلمات " حالاً و " لا يبصرون " هو المفعول الثاني ؛ لأن المفعول الثاني خبر في الأصل، والخبر لا يؤتى به للتأكيد، فإذا جعلت " في ظلمات " حالاً فهم من عدم الإبصار، فلو يفد قولك بعد ذلك :" لا يبصرون " إى التَّأكسد، لكن التأكيد ليس من شَاْنِ الأخبار، بل من شأن الأحوال ؛ لأنها فضلات.
ويؤيّد ما ذكرت أن النحويين لما أعربوا قول امرئ القيس :[ الطويل ]
إِذَا مَا بَكَى مِنْ خَلْفِهَا انْصَرَفَتْ لَهُ...
بِشِقِّ وَشِقٌّ عِنْدَنَا لَمْ يُحَوِّلِ
أعربوا :" شقّ " مبتدأ و " عندنا " خبره، و " لم يُحَوَّلِ " خبراً، و " عندنا " صفة لـ " شق " مُسَوِّغاً للابتداء به قالوا : لأنه فهم معناه من قوله :" عندنا " ؛ لأنه إذا كان عنده عُلِمَ منه أنه لم يُحَوَّل.
وقد أعربه أبو البَقَاءِ كذلك، وهو مردود بما ذكرت.
ويجوز إذا جعلنا " لا يبصرون " هو المفعول الثاني أن يتعلّق " في ظُلُمَاتٍ " به، أو بـ " تركهم "، التقدير :" وتركهم لا يبصرون في ظلمات ".


الصفحة التالية
Icon