وقال أبو حيان فى الآيتين :
﴿ ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى ﴾
قال الجمهور : ومداره على ابن المسيب، والزهري، وعمرو بن دينار، نزلت في شأن أبي طالب حين احتضر فوعظه وقال :" أي عمّ قل لا إله إلا لله كلمة أحاج لك بها عند الله "
وكان بالحضرة أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية فقالا له : يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فقال أبو طالب : يا محمد لولا أني أخاف أن يعير بها ولدي من بعدي لأقررت بها عينك، ثم قال : أنا على ملة عبد المطلب، ومات فنزلت :﴿ إنك لا تهدي من أحببت ﴾ فقال رسول الله ( ﷺ ) :" لأستغفرن لك ما لم أنه عنك " فكان يستغفر له حتى نزلت هذه الآية، فترك الاستغفار لأبي طالب.
وروي أن المؤمنين لما رأوه يستغفر لأبي طالب جعلوا يستغفرون لموتاهم، فلذلك ذكروا في قوله :"ما كان للنبي والذين آمنوا".
وقال فضيل بن عطية وغيره : لما فتح مكة أتى قبر أمه ووقف عليه حتى سخنت عليه الشمس، وجعل يرغب في أن يؤذن له في الاستغفار فلم يؤذن له، فأخبر أنه أذن له في زيارة قبرها ومنع أن يستغفر لها، ونزلت الآية وقالت فرقة : نزلت بسبب قوله ( ﷺ ) :" والله لأزيدن على السبعين " وقال ابن عباس وقتادة وغيرهما : بسبب جماعة من المؤمنين قالوا : نستغفر لموتانا كما استغفر إبراهيم لأبيه.
وتضمن قوله ما كان للنبي الآية النهي عن الاستغفار لهم على أي حال كانوا، ولو في حال كونهم أولي قربى.
فقوله : ولو كانوا جملة معطوفة على حال مقدرة، وتقدم لنا الكلام على مثل هذا التركيب أنّ ولو تأتي لاستقصاء ما لولاها لم يكن ليدخل فيما قبلها ما بعدها.
ودلت الآية على المبالغة في إظهار البراءة عن المشركين والمنافقين والمنع من مواصلتهم ولو كانوا في غاية القرب، ونبه على الوصف الشريف من النبوة والإيمان، وأنه مناف للاستغفار لمن مات على ضده وهو الشرك بالله.


الصفحة التالية
Icon