فصل


قال الفخر :
﴿ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ ﴾
اعلم أنه تعالى لما ذكر في الآية الأولى أنه ﴿اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ وأموالهم بِأَنَّ لَهُمُ الجنة﴾ بين في هذه الآية أن أولئك المؤمنين هم الموصوفون بهذه الصفات التسعة.
وفيه مسألتان :
المسألة الأولى :
في رفع قوله :﴿التائبون العابدون الحامدون السائحون﴾ وجوه : الأول : أنه رفع على المدح، والتقدير : هم التائبون، يعني المؤمنين المذكورين في قوله :﴿اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ﴾ هم التائبون.
الثاني : قال الزجاج : لا يبعد أن يكون قوله :﴿التائبون﴾ مبتدأ، وخبره محذوف أي التائبون العابدون من أهل الجنة أيضاً، وإن لم يجاهدوا كقوله تعالى :﴿وَكُلاًّ وَعَدَ الله الحسنى﴾ وهذا وجه حسن.
لأن على هذا التقدير يكون الوعد بالجنة حاصلاً لجميع المؤمنين، وإذا جعلنا قوله :﴿التائبون﴾ تابعاً لأول الكلام كان الوعد بالجنة حاصلاً للمجاهدين.
الثالث :﴿التائبون﴾ مبتدأ أو رفع على البدل من الضمير في قوله :﴿يقاتلون﴾ الرابع : قوله :﴿التائبون﴾ مبتدأ، وقوله :﴿العابدون﴾ إلى آخر الآية خبر بعد خبر، أي التائبون من الكفر على الحقيقة هم الجامعون لهذه الخصال.
وقرأ أبي وعبد الله ﴿التائبين﴾ بالياء إلى قوله :﴿والحافظين﴾ وفيه وجهان : أحدهما : أن يكون ذلك نصباً على المدح.
الثاني : أن يكون جراً، صفة للمؤمنين.
المسألة الثانية :
في تفسير هذه الصفات التسعة.
فالصفة الأولى : قوله :﴿التائبون﴾ قال ابن عباس رضي الله عنه : التائبون من الشرك.
وقال الحسن : التائبون من الشرك والنفاق.
وقال الأصوليون : التائبون من كل معصية، وهذا أولى، لأن التوبة قد تكون توبة من الكفر، وقد تكون من المعصية.


الصفحة التالية
Icon