وقوله :﴿التائبون﴾ صيغة عموم محلاة بالألف واللام، فتتناول الكل فالتخصيص بالتوبة عن الكفر محض التحكم.
واعلم أنا بالغنا في شرح حقيقة التوبة في تفسير قوله تعالى في سورة البقرة :﴿فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ﴾ [ البقرة : ٣٧ ].
واعلم أن التوبة إنما تحصل عند حصول أمور أربعة : أولها : احتراق القلب في الحال على صدور تلك المعصية عنه، وثانيها : ندمه على ما مضى، وثالثها : عزمه على الترك في المستقبل، ورابعها : أن يكون الحامل له على هذه الأمور الثلاثة طلب رضوان الله تعالى وعبوديته، فإن كان غرضه منها دفع مذمة الناس وتحصيل مدحهم أو سائر الأغراض، فهو ليس من التائبين.
والصفة الثانية : قوله تعالى :﴿العابدون﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما : الذين يرون عبادة الله واجبة عليهم.
وقال المتكلمون هم الذين أتوا بالعبادة، وهي عبارة عن الإتيان بفعل مشعر بتعظيم الله تعالى على أقصى الوجوه في التعظيم، ولابن عباس رضي الله عنهما : أن يقول إن معرفة الله والإقرار بوجوب طاعته عمل من أعمال القلب، وحصول الاسم في جانب الثبوت يكفي فيه حصول فرد من أفراد تلك الماهية.
قال الحسن :﴿العابدون﴾ هم الذين عبدوا الله في السراء والضراء.
وقال قتادة : قوم أخذوا من أبدانهم في ليلهم ونهارهم.
الصفة الثالثة : قوله :﴿الحامدون﴾ وهم الذين يقومون بحق شكر الله تعالى على نعمه ديناً ودنيا ويجعلون إظهار ذلك عادة لهم، وقد ذكرنا التسبيح والتهليل والتحميد صفة الذين كانوا يعبدون الله قبل خلق الدنيا، وهم الملائكة، لأنه تعالى أخبر عنهم أنهم قالوا قبل خلق آدم ونحن نسبح بحمدك، وهو صفة الذين يعبدون الله بعد خراب الدنيا.
لأنه تعالى أخبر عن أهل الجنة بأنهم يحمدون الله تعالى، وهو ﴿وآخر دعواهم أن الحمدلله رب العالمين﴾ [ يونس : ١٠ ] وهم المرادون بقوله :﴿والحامدون ﴾.


الصفحة التالية
Icon