والقول الثاني : وهو قول الأكثرين أنهم ما ذهبوا خلف الرسول عليه الصلاة والسلام قال كعب : كان رسول الله ﷺ يحب حديثي فلما أبطأت عنه في الخروج قال عليه الصلاة والسلام :" ما الذي حبس كعباً " فلما قدم المدينة اعتذر المنافقون فعذرهم وأتيته وقلت : إن كراعي وزادي كان حاضراً واحتبست بذنبي فاستغفر لي فأبى الرسول ذلك، ثم إنه عليه الصلاة والسلام نهى عن مجالسة هؤلاء الثلاثة، وأمر بمباينتهم حتى أمر بذلك نساءهم، فضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وجاءت امرأة هلال بن أمية وقالت : يا رسول الله لقد بكى هلال حتى خفت على بصره حتى إذا مضى خمسون يوماً أنزل الله تعالى :﴿لَقَدْ تَابَ اللهُ على النبى والمهاجرين﴾ وأنزل قوله :﴿وَعَلَى الثلاثة الذين خُلِّفُواْ﴾ فعند ذلك خرج رسول الله ﷺ إلى حجرته وهو عند أم سلمة فقال :" الله أكبر قد أنزل الله عذر أصحابنا " فلما صلى الفجر ذكر ذلك لأصحابه وبشرهم بأن الله تاب عليهم، فانطلقوا إلى رسول الله ﷺ وتلا عليهم ما نزل فيهم.
فقال كعب : توبني إلى الله تعالى أن أخرج مالي صدقة فقال :" لا " قلت : فنصفه قال :" لا " قلت : فثلثه قال :" نعم " واعلم أنه تعالى وصف هؤلاء الثلاثة بصفات ثلاثة.
الصفة الأولى : قوله :﴿حتى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرض بِمَا رَحُبَتْ﴾ قال المفسرون : معناه : أن النبي عليه الصلاة والسلام صار معرضاً عنهم ومنع المؤمنين من مكالمتهم وأمر أزواجهم باعتزالهم وبقوا على هذه الحالة خمسين يوماً، وقيل : أكثر، ومعنى ﴿وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الأرض بِمَا رَحُبَتْ﴾ تقدم تفسيره في هذه السورة.
والصفة الثانية : قوله :﴿وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ﴾ والمراد ضيق صدورهم بسبب الهم والغم ومجانبة الأولياء والأحباء، ونظر الناس لهم بعين الإهانة.