الصفة الثالثة : قوله :﴿وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ الله إِلاَّ إِلَيْهِ﴾ ويقرب معناه من قوله عليه الصلاة والسلام في دعائه :" أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بعفوك من غضبك وأعوذ بك منك " ومن الناس من قال معنى قوله :﴿وَظَنُّواْ﴾ أي علموا كما في قوله :﴿الذين يَظُنُّونَ أَنَّهُم ملاقوا رَبّهِمْ﴾ [ البقرة : ٤٦ ] والدليل عليه أنه تعالى ذكر هذا الوصف في حقهم في معرض المدح والثناء، ولا يكون كذلك إلا وكانوا عالمين بأنه لا ملجأ من الله إلا إليه.
وقال آخرون : وقف أمرهم على الوحي وهم ما كانوا قاطعين أن الله ينزل الوحي ببراءتهم عن النفاق ولكنهم كانوا يجوزون أن تطول المدة في بقائهم في الشدة فالطعن عاد إلى تجويز كون تلك المدة قصيرة، ولما وصفهم الله بهذه الصفات الثلاث ؛ قال :﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
اعلم أنه لا بد ههنا من إضمار.
والتقدير : حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه.
تاب عليهم ثم تاب عليهم، فما الفائدة في هذا التكرير ؟
قلنا : هذا التكرير حسن للتأكيد كما أن السلطان إذا أراد أن يبالغ في تقرير العفو لبعض عبيده يقول عفوت عنك ثم عفوت عنك.
فإن قيل : فما معنى قوله :﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ ﴾.
قلنا فيه وجوه : الأول : قال أصحابنا المقصود منه بيان أن فعل العبد مخلوق لله تعالى فقوله :﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ﴾ يدل على أن التوبة فعل الله وقوله :﴿لِيَتُوبُواْ﴾ يدل على أنها فعل العبد، فهذا صريح قولنا، ونظيره ﴿فَلْيَضْحَكُواْ﴾ مع قوله :﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وأبكى﴾ وقوله :﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ﴾ مع قوله :﴿إِذْ أَخْرَجَهُ الذين كَفَرُواْ﴾ وقوله :﴿هُوَ الذي يُسَيّرُكُمْ﴾ مع قوله :﴿قُلْ سِيرُواْ﴾ والثاني : المراد تاب الله عليهم في الماضي ليكون ذلك داعياً لهم إلى التوبة في المستقبل.


الصفحة التالية
Icon