واختلف العلماء في هذه التوبة التي تابها الله على النبيّ ﷺ والمهاجرين والأنصار على أقوال ؛ فقال ابن عباس : كانت التوبة على النبيّ ﷺ لأجل إذنه للمنافقين في القعود ؛ دليله قوله :﴿ عَفَا الله عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ ﴾ [ التوبة : ٤٣ ] وعلى المؤمنين من ميل قلوب بعضهم إلى التخلف عنه.
وقيل : توبة الله عليهم استنقاذهم من شدّة العسرة.
وقيل : خلاصهم من نكاية العدوّ، وعُبِّر عن ذلك بالتوبة وإن خرج عن عرفها لوجود معنى التوبة فيه، وهو الرجوع إلى الحالة الأُولى.
وقال أهل المعاني : إنما ذُكر النبيّ ﷺ في التوبة لأنه لما كان سبب توبتهم ذُكر معهم ؛ كقوله :﴿ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ﴾ [ الأنفال : ٤١ ].
قوله تعالى :﴿ الذين اتبعوه فِي سَاعَةِ العسرة ﴾ أي في وقت العسرة، والمراد جميع أوقات تلك الغزاة ولم يرِد ساعة بعينها.
وقيل : ساعة العسرة أشدّ الساعات التي مرت بهم في تلك الغزاة.
والعسرة صعوبة الأمر.
قال جابر : اجتمع عليهم عسرة الظَّهْر وعسرة الزاد وعسرة الماء.
قال الحسن : كانت العسرة من المسلمين يخرجون على بعير يعتقبونه بينهم، وكان زادهم التمر المتسوس والشعير المتغير والإهالة المنتِنة، وكان النَّفَر يخرجون ما معهم إلا التمرات بينهم، فإذا بلغ الجوع من أحدهم أخذ التمرة فلاكها حتى يجد طعمها، ثم يعطيها صاحبه حتى يشرب عليها جُرْعة من ماء كذلك حتى تأتي على آخرهم، فلا يبقى من التمرة إلا النواة ؛ فمضَوْا مع النبيّ ﷺ على صدقهم ويقينهم رضي الله عنهم.
و" قال عمر رضي الله عنه وقد سئل عن ساعة العسرة : خرجنا في قيظ شديد فنزلنا منزلاً أصابنا فيه عطش شديد حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع من العطش، وحتى أن الرجل لينحر بعيره فيعصِر فَرَثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده.