وطائفة قد أكفروني بحبكم.. وقال أبو بكر الأنباري : هذا التأويل فاسد، لأن العرب إذا أرادوا ذلك المعنى قالوا : ضلل يضلل، واحتجاجهم ببيت الكميت باطل، لأنه لا يلزم من قولنا أكفر في الحكم صحة قولنا أضل.
وليس كل موضع صح فيه فعل صح أفعل.
ألا ترى أنه يجوز أن يقال كسره، ولا يجوز أن يقال أكسره، بل يجب فيه الرجوع إلى السماع.
والوجه الثالث : في تفسير الآية، وما كان الله ليوقع الضلالة في قلوبهم بعد الهدى، حتى يكون منهم الأمر الذي به يستحق العقاب.
المسألة الثانية :
قالت المعتزلة : حاصل الآية أنه تعالى لا يؤاخذ أحداً إلا بعد أن يبين له كون ذلك الفعل قبيحاً، ومنهياً عنه.
وقرر ذلك بأنه عالم بكل المعلومات، وهو قوله :﴿إِنَّ الله بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ﴾ وبأنه قادر على كل الممكنات، وهو قوله :﴿لَهُ مُلْكُ السموات والأرض يحي ويميت﴾ فكان التقدير : أن من كان عالماً قادراً هكذا، لم يكن محتاجاً، والعالم القادر الغني لا يفعل القبيح والعقاب قبل البيان.
وإزالة العذر قبيح، فوجب أن لا يفعله الله تعالى، فنظم الآية إنما يصح إذا فسرناها بهذا الوجه، وهذا يقتضي أنه يقبح من الله تعالى الابتداء بالعقاب وأنتم لا تقولون به.
والجواب : أن ما ذكرتموه يدل على أنه تعالى لا يعاقب إلا بعد التبيين، وإزالة العذر وإزاحة العلة، وليس فيها دلالة على أنه تعالى ليس له ذلك، فسقط ما ذكرتموه في هذا الباب. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٦ صـ ١٦٨ ـ ١٦٩﴾


الصفحة التالية