فصل
قال الفخر :
﴿ مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ﴾
اعلم أن الله تعالى لما أمر بقوله :﴿وَكُونُواْ مَعَ الصادقين﴾ بوجوب الكون في موافقة الرسول عليه السلام في جميع الغزوات والمشاهد، أكد ذلك فنهى في هذه الآية عن التخلف عنه.
فقال :﴿مَا كَانَ لأَهْلِ المدينة وَمَنْ حَوْلَهُمْ مّنَ الأعراب أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ الله﴾ والأعراب الذين كانوا حول المدينة مزينة، وجهينة، وأشجع، وأسلم، وغفار، هكذا قاله ابن عباس.
وقيل : بل هذا يتناول جميع الأعراب الذين كانوا حول المدينة فإن اللفظ عام، والتخصيص تحكم، وعلى القولين فليس لهم أن يتخلفوا عن رسول الله، ولا يطلبوا لأنفسهم الحفظ والدعة حال ما يكون رسول الله في الحر والمشقة، وقوله :﴿وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ﴾ يقال : رغبت بنفسي عن هذا الأمر أي توقفت عنه وتركته، وأنا أرغب بفلان عن هذا، أي : أبخل به عليه ولا أتركه.
والمعنى : ليس لهم أن يكرهوا لأنفسهم ما يرضاه الرسول عليه الصلاة والسلام لنفسه.
واعلم أن ظاهر هذه الألفاظ وجوب الجهاد على كل هؤلاء إلا أنا نقول : المرضى والضعفاء والعاجزون مخصوصون بدليل العقل، وأيضاً بقوله تعالى :﴿لاَ يُكَلّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ [ البقرة : ٢٨٦ ] وأيضاً بقوله :﴿لَّيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ﴾ [ النور : ٦١ الفتح : ١٧ ] الآية وأما أن الجهاد غير واجب على كل أحد بعينه، فقد دل الإجماع عليه فيكون مخصوصاً من هذا العموم وبقي ما وراء هاتين الصورتين داخلاً تحت هذا العموم.