واعلم أنه تعالى لما منع من التخلف بين أنه لا يصيبهم في ذلك السفر نوع من أنواع المشقة إلا وهو يوجب الثواب العظيم عند الله تعالى ثم إنه ذكر أموراً خمسة : أولها : قوله :﴿ذلك بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ﴾ وهو شدة العطش يقال ظمىء فلان إذا اشتد عطشه.
وثانيها : قوله :﴿وَلاَ نَصَبٌ﴾ ومعناه الإعياء والتعب.
وثالثها :﴿وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِى سَبِيلِ الله﴾ يريد مجاعة شديدة يظهر بها ضمور البطن ومنه يقال : فلان خميص البطن.
ورابعها : قوله :﴿ولا يطئون موطئآ يغيظ الكفار﴾ أي ولا يضع الإنسان قدمه ولا يضع فرسه حافره، ولا يضع بعيره خفه بحيث يصير ذلك سبباً لغيظ الكفار قال ابن الأعرابي : يقال غاظه وغيظه وأغاظه بمعنى واحد، أي أغضبه.
وخامسها : قوله :﴿وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوّ نَّيْلاً﴾ أي أسراً وقتلاً وهزيمة قليلاً كان أو كثيراً ﴿إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ﴾ أي إلا كان ذلك قربة لهم عند الله ونقول دلت هذه الآية على أن من قصد طاعة الله كان قيامه وقعوده ومشيته وحركته وسكونه كلها حسنات مكتوبة عند الله.
وكذا القول في طرف المعصية فما أعظم بركة الطاعة وما أعظم شؤم المعصية، واختلفوا فقال قتادة : هذا الحكم من خواص رسول الله إذا غزا بنفسه فليس لأحد أن يتخلف عنه إلا بعذر.
وقال ابن زيد : هذا حين كان المسلمون قليلين فلما كثروا نسخها الله تعالى بقوله :
﴿وَمَا كَانَ المؤمنون لِيَنفِرُواْ كَافَّةً﴾ [ التوبة : ١٢٢ ] وقال عطية ما كان لهم أن يتخلفوا عن رسول الله إذا دعاهم وأمرهم وهذا هو الصحيح، لأنه تتعين الإجابة والطاعة لرسول الله إذا أمر وكذلك غيره من الولاة والأئمة إذا ندبوا وعينوا لأنا لو سوغنا للمندوب أن يتقاعد لم يختص بذلك بعض دون بعض ولأدى ذلك إلى تعطيل الجهاد. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٦ صـ ١٧٧ ـ ١٧٨﴾