فصل


قال الفخر :
﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٢٨) ﴾
فيه مسائل :
المسألة الأولى :
اعلم أنه تعالى لما أمر رسوله عليه السلام أن يبلغ في هذه السورة إلى الخلق تكاليف شاقة شديدة صعبة يعسر تحملها، إلا لمن خصه الله تعالى بوجوه التوفيق والكرامة، ختم السورة بما يوجب سهولة تحمل تلك التكاليف، وهو أن هذا الرسول منكم، فكل ما يحصل له من العز والشرف في الدنيا فهو عائد إليكم.
وأيضاً فإنه بحال يشق عليه ضرركم وتعظم رغبته في إيصال خير الدنيا والآخرة إليكم، فهو كالطبيب المشفق والأب الرحيم في حقكم، والطبيب المشفق ربما أقدم على علاجات صعبة يعسر تحملها، والأب الرحيم ربما أقدم على تأديبات شاقة، إلا أنه لما عرف أن الطبيب حاذق، وأن الأب مشفق، صارت تلك المعالجات المؤلمة متحملة، وصارت تلك التأديبات جارية مجرى الإحسان.
فكذا ههنا لما عرفتم أنه رسول حق من عند الله، فاقبلوا منه هذه التكاليف الشاقة لتفوزوا بكل خير، ثم قال للرسول عليه السلام : فإن لم يقبلوها بل أعرضوا عنها وتولوا فاتركهم ولا تلتفت إليهم وعول على الله وارجع في جميع أمورك إلى الله ﴿فَقُلْ حَسْبِىَ الله لا إله إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ العرش العظيم﴾ [ التوبة : ١٢٩ ] وهذه الخاتمة لهذه السورة جاءت في غاية الحسن ونهاية الكمال.
المسألة الثانية :
اعلم أنه تعالى وصف الرسول في هذه الآية بخمسة أنواع من الصفات :


الصفحة التالية
Icon